الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

محرقة میرکل ومحارق الفلسطینیین

 

 أن تقوم المستشارة الألمانیة أنجیلا میرکل بزیارة الدولة العبریة فهذا شیء طبیعی ولا غرابة فیه، فالکل یزور إسرائیل وخاصة القادة الغربیین وهم علی أی حال یفعلون ذلک بالعلن ـ أفضل ممن یقومون بذلک فی السر من العربان ـ وأن توقع اتفاقیات مع دولة الاحتلال فی شتی المجالات سواء الاقتصادیة أو السیاسیة أو العلمیة أو فی أی مجال آخر فهذا أیضا مفهوم وطبیعی، وان تقوم بوضع أکالیل من الزهور علی ضحایا هتلر النازی الألمانی ـ ابن جلدتها ـ فهذا أیضا مفهوم، فالکل یقوم بذلک وهی لیست ـ اقصر ـ منهم ولا أقل باعا فی التزلف والنفاق وحتی الخضوع لإسرائیل، ونحن نستطیع أن نتفهم ذلک. صرنا نتفهم الکثیر من الأشیاء التی لم نکن لنفعل لولا هذا الخنوع العربی.

ما هو غیر مفهوم ـ بالنسبة لی علی الأقل ـ فی مواقف السیدة میرکل وخاصة الموقف الأخیر خلال زیارتها للکیان العبری، هو هذا الانفصام فی الشخصیة، وهذا الکیل بمکیالین بشکل واضح لا لبس فیه، وهی التی من المفروض أنها تقود دولة من أهم دول الاتحاد الأوروبی، دولة عریقة وقویة اقتصادیا علی الأقل، وهی الدولة التی التزمت بکل ما علیها أکثر مما التزمت بما هو لها، خاصة بعد هزیمتها فی الحرب العالمیة الثانیة وخضوعها لشروط القوی والمنتصر.

اعتقد أن لیس بالإمکان لشخص ما ـ أیا کان هذا الشخص ـ یدعی الإنسانیة وأنه یحمل الکثیر من الأحاسیس والعواطف أن یقسم عواطفه أو أن یجزئها علی هواه، فیشعر مع هذه الضحیة بالتعاطف، ومع ضحیة أخری لا یشعر بمثل ذلک، بل هو لا یشعر ولا یکن إی إحساس ولا یعترف بالضحیة الأخری وربما لا یعترف بوجودها أصلا، رغم أنها تعانی بشکل ربما یفوق لا بل هو فعلا یفوق معاناة من یدعی بأنه ضحیة، وهو ـ الذی یدعی بأنه کان ضحیة ـ وإن کان کذلک فعلی أی حال فهذا کان قبل عقود من الزمن اندثر خلالها إن لم یکن کل فأغلب الذین عانوا فی حینه.

هل تعتقد السیدة میرکل بأن الوجع الیهودی هو أکثر إیلاما من وجع الآخر، بغض النظر عمن یکون هذا الآخر، وهل إذا ما جرح الإنسان الیهودی یکون شعوره بالألم أقوی وأکثر من الإنسان الآخر؟ أم ترى هی تعتقد أن الترکیبة الجسمانیة ـ الجسدیة ـ للآخر تختلف عن الترکیبة المتعلقة بالإنسان الیهودی، وإذا کان الأمر کذلک أفلا یدلل هذا على عقلیة عنصریة .

لکن وحیث اننا لا نرید أن نتهم السیدة میرکل بالعنصریة ولا یمکننا ولا نرغب بذلک، فإننا نرید أن نوجه لها سؤالا نرجو أن تجیب علیه بنفس الشفافیة التی شاهدنا وهی تقف أمام النصب التذکاری لمحرقة الیهود علی ید ابن جنسها هتلر، تری هل تعتقد أن وجع الإنسان الفلسطینی یختلف عن وجع الإنسان الیهودی، وهل الإنسان الفلسطینی أو الأوروبی أو حتی الألمانی یکون أقل إحساسا بالألم اذا ما تعرض لأذی معین کالجرح مثلا أو الذبح أو الحرق؟ کیف یمکن للسیدة الألمانیة الأولی أن تظهر کل هذه المشاعر تجاه ضحایا النازیة من الیهود ـ والتی لا اعتقد أنها مسؤولة عنها بشکل شخصی فهی لم تکن قد ولدت بعد ـ ولا تظهر هذا الفیض من المشاعر وهذا الإحساس بالحزن الشدید تجاه کل الملایین من ضحایا الشعوب الأوروبیة الذین سقطوا خلال حقبة هتلر وکانوا ضحایا لجنونه؟ هنا لا بد من أن أشیر إلی أننی لا أناقش قضیة المحرقة الیهودیة وحقیقة حدوثها من عدمه، أو أعداد الضحایا من الیهود أو من غیر الیهود، لیس فی هذا المقال علی الأقل ، وذلک حتی لا یتم اتهامی بالعنصریة ومعاداة السامیة رغم أننی اعتقد بأننی سامی إلا إذا کان الأمر غیر ذلک بالنسبة لمن لن یعجبهم ما أقول، وإنما أناقش کیف یمکن للنفاق السیاسی إن یکون فجا وبدون حدود، وإلی أی درجة من الانحدار یمکن أن یصل بالشخص حتی لو کان بمنزلة قائد لدولة عظیمة مثل ألمانیا.

عواطف السیدة میرکل وآدمیتها ظهرت بکل تجلیاتها أمام نصب المحرقة إلى الدرجة التی اعتقدت أنها سوف تسقط مغشیا علیها من شدة انفعالها، لا بل اعتقدت للحظة بان السیدة میرکل تتقمص الدور بشکل أکثر من أهالی الضحایا أنفسهم، ولا أبالغ فی القول إننی اعتقدت بان السیدة المحترمة قد تکون یهودیة ـ ولن استغرب لو کانت کذلک، فمادلین اولبرایت إذا کنتم لا تزالون تذکرونها لم تعلن عن یهودیتها إلا فی مرحلة متأخرة وبعد ان استطاعت ان تتسلق أعلى المراکز القیادیة فی الولایات المتحدة الأمریکیة.

المشاعر الجیاشة التی أبدتها السیدة المستشارة میرکل لم نر أو نسمع أو نلمس منها شیئا فیما یتعلق بالمعاناة الفلسطینیة، رغم أن ضحایا المحرقة الإسرائیلیة لا یعیشون فی قارة أخری، إنهم لا یبعدون عن مکان وقوفها فی نصب المحرقة الیهودیة سوی عدة مئات من الأمتار.

تری هل کانت السیدة المحترمة فی غفلة من أمرها عن ولو مجرد إشارة أو لفتة واحدة لهؤلاء؟ أم أن انغماسها فی الدور أنساها هؤلاء الذین عانوا وما زالوا علی مدار سنوات الاحتلال الإسرائیلی؟ ألیس أبناء الشعب الفلسطینی جزءا لا یتجزأ من ضحایا أوروبا و محرقتها بشکل عام حتى لا نتهم بلدا بعینه؟

( للکاتب و الصحفی الفلسطینی رشید شاهین )

م/25

 


| رمز الموضوع: 142779







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  2. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  3. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  4. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  5. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  6. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  7. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  8. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  9. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
  10. طهران ترفع الستار عن وثائقي للمقاومة في فلسطين وايرلندا
  11. حكومة الاحتلال تقرّر توسيع الحرب على غزة رغم التحذيرات
  12. وزير العلوم الإيراني: الرأي العام العالمي لا يعترف بالكيان الصهيوني
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)