حق العودة والتعویض للفلسطینیین ام للیهود؟!
تذهب السیاسة الأمریکیة بعیدا فی دعمها لإسرائیل تتجاوز معه کل المعاییر والمحددات التی تحکم العلاقات بین الدول، لتصل إلى نموذج الشراکة الخاصة، وهذا ما کشف عنه القرار الأخیر لمجلس النواب الأمریکی بإعتبار الیهود الذین ترکوا الدول العربیة التی کانوا یعیشون فیها لاجئیین وما یترتب على ذلک من مسؤولیات وحقوق لهم کالتعویضات مثلا..
هذا القرار ورغم أنه غیر ملزم للإدارة الأمریکیة إلا إنه یحمل مضامین ودلالات سیاسیة خطیرة جدا فی کیفیة التعامل مع قضیة اللاجئیین الفلسطینیین. ویثیر العدید من علامات الإستفهام حول مدى خضوع الکونجرس الأمریکی بمجلسیه، النواب والشیوخ، لنفوذ اللوبی الصهیونی وتحکم الأخیر فی کل القرارات التی یصدرها الکونجرس الأمریکی والداعمة لإسرائیل بصرف النظر أن هناک شعب وقضیة فلسطینیة..
وبهذا القرار ینصب مجلس النواب نفسه وکأنه مجلس کل العالم، وکیف أن الکونجرس الأمریکی لا یرى إلا إسرائیل فی العالم ولیس فی العالم العربی فقط، وإبتداء ینبغى التذکیر دائما حتى لا نفاجأ بهذا القرار وغیره من القرارات الداعمة والمساندة لإسرائیل أن إسرائیل تشکل أحد أهم مکونات عناصر الإستراتیجیة الأمریکیة العلیا فی منطقة الشرق الأوسط إلى جانب النفط، هذان هما العاملان المحرکان للسیاسة الأمریکیة فی المنطقة.. وفی إطار هذا السیاق یمکن أن نفهم کل القرارات التی یتخذها الکونجرس الأمریکى والإدارة الأمریکیة وکل مؤسسات صنع القرار الأمریکی.
ولا شک أن هذا القرار تحکمه أیضا إعتبارات ضمان الصوت الأمریکی فی إنتخابات الکونجرس، والدعم المالی الذی یسیطر علیه الیهود فی امریکا، وعضو النواب أو الشیوخ لا یعنیه إلا الفوز أو الإحتفاظ بعضویتة فی الکونجرس، ومن هنا تتصدر القضایا الداخلیة أجندة الإنتخابات التشریعیة فی امریکا، ومن بین هذه القضایا الرئیسة إسرائیل التی تأتی دائما على رأس إهتمامات المرشحین سواء للرئاسة أو الکونجرس.
ولا ینبغی التقلیل من خطورة هذا القرار، ولذلک یحتاج منا إلى وقفة تحلیلیة متأنیة هادئة بعیدة عن الإنفعال فی التعامل مع السیاسة الأمریکیة فی المنطقة. وعلى الرغم من أن القرار غیر ملزم للإدارة الأمریکیة الیوم فقد یکون ملزما للإدارات القادمة وهذه هی طبیعة السیاسة الأمریکیة الداخلیة..!!
وألأمر الآخر الهام أن هذا القرار یبین لنا مدى الإستهانة فی کیفیة معالجة القضیة الفلسطینیة وخصوصا قضیة اللاجئیین الفلسطینیین والجهل بها وبأبعادها التاریخیة والقانونیة والسیاسیة، والأخطر فی القرار أسلوب المقایضة، وکیف یریدون أن یشطبوا قضیة اللاجئین الفلسطینیین وتصویرها بنفس درجة الیهود الذین ترکوا الدول العربیة بإرادتهم أو تحت إغراءات الحرکة الصهیونیة أو حتى بلجوء الأخیرة إلى أسالیب الترهیب والتخویف الذی یصل أحیانا کثیرة للعنف. وتعویضهم عن ممتلکاتهم مقابل ممتلکات اللاجئیین الفلسطینیین فی وطنهم وفی مقدمة ذلک حق العودة إلى وطنهم الأصلی الذی لا یقدر بثمن مادی.
أعود وأتساءل ما هو الفارق بین وضع اللاجئیین الفلسطینیین الذین أخرجوا وطردوا من وطنهم الأصلی والیهود الذین ترکوا أماکن عیشهم وإقامتهم کمواطنیین وبإرادتهم من الدول العربیة، وبناء على دعوة الحرکة الصهیونیة بالعودة إلى أرضهم التاریخیة وأرض المیعاد کما صورتها أساطیر الحرکة الصهیونیة، وأن فلسطین أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض، وتجاهلت تماما وجود شعب على أرضه منذ التاریخ..!! وفى هذا السیاق أسوق عددا من الملاحظات:
أولا: أن الیهود ترکوا الدول العربیة التی کانوا یعیشون فیها بمحض إرادتهم ولیس قسرا، أما اللاجئیین الفلسطینیین فقد أجبروا على ترک مدنهم وقراهم وبیوتهم عنوة وقوة وبفعل المذابح التی أرتکبت مثل کفر قاسم ودیر یاسین.
ثانیا: لقد عاش الیهود فی الدول العربیة کمواطنین ولیس کغرباء، وما زال من یعیش منهم یتمتع بهذه المواطنیة.
ثالثا: بإمکان الیهود إذا أرادوا أن یعودوا إلى الدول العربیة التی ترکوها، وهذا أمر قائم وممکن، على عکس اللاجئین الفلسطینیین الذین ترفض إسرائیل عودتهم إلى أرضهم ووطنهم الأصلی.
رابعا: تکفل قرارات الشرعیة الدولیة حق العودة للاجئین الفلسطینیین أو تعویضهم وفقا للقرار الدولی رقم 194 وهو القرار الذی صدر منذ الیوم الأول لطردهم من دیارهم. أما الیهود فلم تطرح قضیتهم أصلا على الأمم المتحده لأنها فی الأصل لا تعتبر مشکلة ولکونها قرارا فردیا إختیاریا إتخذه الیهود فرادى او جماعات إختیاریا ولیس بفعل قرار سیاسی عربی بالطرد والتجرید من المواطنة.
خامسا: ترفض إسرائیل عودة اللاجئین الفلسطینیین تحت حجج واهیة لا تستند إلى أسس أخلاقیة ولا حتى قانونیة أو شرعیة. منها الحفاظ على الطابع الیهودی لإسرائیل وقصرها على مواطنیها وهذا یتناقض مع أحد أهم المبادئ التی تزعمها الدیمقراطیة الإسرائیلیة.
وعلیه فالقرار الذی أصدره مجلس النواب الأمریکی یفتقر إلى کل المعاییر الإنسانیة والدولیة والشرعیة ویأتی هذا القرار وکأن مجلس النواب تحول إلى أحد مجالس الکنیست الإسرائیلی، ویعتبر شکلا من أشکال الهیمنة الأمریکیة الجدیدة وکیفیة معالجتها للقضایا الإنسانیة والسیاسیة کالقضیة الفلسطینیة معالجة ترى القضیة بعیون إسرائیلیة تحجب عنها رؤیة الحقیقة، وهذا هو سر التحیز الأمریکی لإسرائیل.
( المقال بقلم الدکتورناجی صادق شراب أستاذ العلوم السیاسیة فی جامعة الأزهر- غزة(
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS