الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل و " الغوغل إرث" و الشکوک

فی الوقت الذی أشار فیه الصحفی الشهیر محمد حسنین هیکل إلى أن صور الأقمار الصناعیة الخاصة بإسرائیل التی یعرضها برنامج الخرائط الشهیر "غوغل إیرث" على الإنترنت منخفضة الجودة أو غیر دقیقة الوضوح، یظهر الإصدار الجدید من "غوغل إیرث" صورا واضحة لمواقع حساسة أو عسکریة إسرائیلیة.

وأثار ذلک تساؤلات حول مغزى إتاحة هذه الصور الحدیثة الأکثر دقة للمستخدم العادی منذ بضعة أشهر.

وکی یستدل هیکل على أن الأمن القومی العربی مکشوف، قال فی حلقة من برنامجه (مع هیکل) بثتها قناة الجزیرة مساء الخمیس: "الآن توجد أقمار صناعیة تصور فی کل مکان.. وشرکة غوغل تبیع خرائط فضائیة مصورة لکل دول العالم إلا الخرائط الخاصة بإسرائیل.. فإسرائیل بمقتضى اتفاق مع شرکة (غوغل) والکونغرس الأمریکی ألزمت الشرکة بألا تبیع أی خرائط لإسرائیل، وأن هذه الخرائط تکون فقط فی وزارة الدفاع الأمریکیة (البنتاغون)".

واستطرد هیکل قائلا: "لا أعرف أی بلد عربی واحد قدم ما یدل على أنه یتقی هذا العالم (التصویر الفضائی لأراضیه ومواقعه عبر غوغل إرث).. نحن جمیعا مکشوفون.. حاولت أدخل على مواقع فی إسرائیل فکانت إسرائیل مظلمة تماما عبر هذا الموقع".

وأضاف أنه حین أراد رؤیة مواقع مصریة وجد مواقع حساسة تظهر بوضوح قائلا: "رأیت قصور.. ومواقع أخرى أخشى لو ذکرتها أن یتهمنی أحد بأنی أفشی أسرارا عسکریة".

ولاحظ مراسل "إسلام أون لاین.نت" لشئون التکنولوجیا أنه مع بدایة الربع الأخیر من عام 2007، عندما خرج للنور آخر إصدار من برنامج جوجل إیرث، استبدلت صور حدیثة ذات جودة وواضحة لمواقع إسرائیلیة بالصور القدیمة، کما ظهرت معالم وتفاصیل المدن الإسرائیلیة والمنشآت الصناعیة والکثیر من المعالم الحیویة والهامة فی الدولة العبریة فی الإصدار الجدید.

وقبل ذلک الإصدار، کانت صور المواقع الإسرائیلیة الإستراتیجیة لا تظهر بوضوح على غوغل إرث، وذلک بموجب الاتفاق الذی أشار إلیه هیکل.

وفی عام 1996 أبرمت اتفاقیة بین إسرائیل والولایات المتحدة - فی عهد إدارة الرئیس بیل کلینتون - تمت ترجمتها إلى قانون أصدره الکونغرس الأمریکی یفرض على شرکة غوغل وغیرها من الشرکات التی تبیع أو تنشر صورا  ملتقطة بالأقمار الصناعیة الحصول على موافقة مسبقة (من الإدارة الأمریکیة) قبل عرض الصور العالیة الجودة الخاصة بإسرائیل.

ولدواع أمنیة، وبالاتفاق مع الولایات المتحدة لم تکن تعرض الشرکات المعنیة وبینها جوجل، صورا ملتقطة بالأقمار الصناعیة داخل إسرائیل تزید درجة وضوحها عن 2 متر فی النقطة، أو تقوم ببیعها.

ولم یتوفر تفسیر واضح لسبب ظهور هذه الصور بشکل أکثر دقة فی الإصدار الجدید لغوغل إیرث، لکن البروفسور غیرالد شتاینبرغ رئیس قسم العلوم السیاسیة فی جامعة بار إیلان الإسرائیلیة، أکد فی تصریح نشرته مؤخرا صحیفة "سان فرانسیسکو کرونیکل" أن الدولة العبریة کانت جاهزة لهذا التطور. وقال: "إسرائیل استعدت لصور غوغل إیرث الجدید"، مضیفا أنها لن تعرض أمن إسرائیل لخطر.

و أوضح شتاینبرج أن "إسرائیل أمضت عشر سنوات تستعد لهذا"، ولم یقدم شتاینبرج مزیدا من التفاصیل عن هذه الاستعدادات.

ویعرض الإصدار الجدید لغوغل إیرث صورا فوتوغرافیة دقیقة ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعیة لعدة مواقع تعدها الحکومة الإسرائیلیة سریة وحساسة فیما یتعلق بأمن إسرائیل.

من بین هذه الصور محطة الأبحاث النوویة فی صحراء النقب بالقرب من مدینة دیمونة، وأشهر معالمها مفاعل دیمونة، وأماکن بطاریات صواریخ الدفاع الجوی الهامة ( آرو)، وکذلک مقرات القیادة العسکریة المرکزیة، وبعضا من القواعد الجویة الإسرائیلیة، ومجمع وزارة الدفاع فی تل أبیب. بل قام بعض المستخدمین بتحدید عدة مواقع ومقرات یزعم أنها تابعة لوکالة الاستخبارات الإسرائیلیة المعروفة باسم "الموساد"، من بینها المقر الرئیسی.

وتتمتع الصور الجدیدة عالیة الوضوح، التی أصبحت متاحة للمستخدمین بواسطة غوغل إرث، بدرجة وضوح قیاسها نقطة لکل 2.4 یاردة مربعة، بینما کانت الصور القدیمة محدودة الدقة والوضوح، بحیث لا تتخطى نقطة لکل 12 أو حتى 24 یاردة مربعة، بحسب صحیفة "یدیعوت أحرونوت".

ومن المشاهدة العادیة لصور مواقع مصریة هامة، یمکن القول إن درجة وضوحها بوجه عام یمکن أن تصل إلى نفس الدرجة من الوضوح لصور المواقع الإسرائیلیة فی النسخة الحدیثة.

ویمکن للمستخدم العادی الآن مشاهدة تفاصیل ومعالم وأماکن حیویة وإستراتیجیة داخل إسرائیل من خلال صور خرائطیة یعرضها برنامج غوغل إیرث، بمجرد حصوله على إحداثیاتها الجغرافیة المتاحة فی کثیر من الإصدارات والدوریات المعنیة، وما إن یستطیع المستخدم تحدید موقع ما حتى یقوم بوضع لافتة علیه تسهل على من بعده الوصول إلیها دون الحاجة لکثیر جهد سوى کتابة اسم المکان أو المنشأة أو الموقع أو القاعدة التی یرید رؤیتها فی حقل للبحث، حتى یطیر به البرنامج إلیها.

 وهناک یمکن للمستخدم أن یجد قدرا معقولا من المعلومات بعضها فی شکل روابط تنقله إلى موسوعة ویکیبیدیا لتزوده بفیض من التفاصیل عنها، کما یمکنه مشاهدة صورا فوتوغرافیة عادیة عنها من خلال خدمة بانورامیو، وبعضها له نماذج ثلاثیة الأبعاد مثل مقر وزارة الدفاع الإسرائیلیة فی تل أبیب، وغیر ذلک من الخدمات التی تتکامل بواسطتها عملیة الحصول على المعلومة.

و فیما یتعلق بصورة مجمع النقب النووی، و وفقا لبعض الخبراء الإسرائیلیین، فإن الصورة ربما یکون عمرها بین العام والعامین، وهی تظهر بجلاء تخطیط المبانی والمنشآت فائقة السریة. حتى إنها تبین صور الطرق فی المشروع النووی بدیمونة، وممرات وطرقات السیر، والمبانی المعزولة المخفیة خلف أسوار مکهربة، وتتصدر الطرق المؤدیة إلیها علامات تحذیر کبیرة، وترصدها شبکة معقدة من الکامیرات وأجهزة التأمین الأخرى.

ومن بین هذه الأماکن الحساسة على سبیل المثال لا الحصر بعض المواقع ذات الصلة بالقدرات النوویة الإسرائیلیة أو الصاروخیة مثل إلیابون وإحداثیاته (32°50'N 35°23'E)، تیروش (34°53'E 31°45'N)، یودیفات ()،سورق (34°42'E 31°49'N)،موشیرروتم(35°10'E 31°03'N)، نیس زیونا (34°48'E 31°55'N)، رفاییل (35°00'E 32°50'N).

ومن بین المواقع الأخرى شدیدة الحساسیة: قاعدة نیفاتیم الجویة، وهی تقع جنوب شرق بئر سبع (31°12'N 35°00'E) على حدود صحراء النقب، وتضم تحت الأرض مرکز قیادة إستراتیجی للقوات الجویة، وتم بناؤها عام 1947 على مساحة من الأرض تدعى ملهطة.

أیضا قاعدة تل نوف الجویة جنوب شرق تل أبیب (31°50'N 34°49'E) أحد أهم القواعد الجویة الإسرائیلیة، وهی بالإضافة إلى کونها مطارا حربیا عملیاتیا یضم عددا من الأسراب المقاتلة، یتم فیها تدریب المظلیین الإسرائیلیین، ومقر وحدة المسلول (699)؛ إحدى وحدات الإنقاذ المحمول جوا الإسرائیلی، ومقر أکادیمیة جیش الدفاع الإسرائیلی لتعلیم الطیران.

وکذلک قاعدة بالماشیم (31°53'N 34°41'E) الجویة، التی شیدت فی السبعینیات وتقع على الساحل جنوب تل أبیب. ویتم فیها بالأساس اختبارات إطلاق الصواریخ التی یقوم بها السرب 151، وهی تعد القاعدة الرئیسیة لطائرات الهلیوکوبتر بالنسبة للقوات الجویة التابعة لجیش إسرائیل، وبها وحدها نحو 200 سرب، وبها بعض وحدات المدفعیة الصاروخیة. کما أنها قاعدة إطلاق فضائی وقد أطلقت إسرائیل منها مؤخرا القمر الصناعی (أفق 7).

أیضا یمکن على " غوغل إیرث " رصد مجمع بیر یاکوف (31°57'N 34°51'E) وهو منشأة صناعات عسکریة إسرائیلیة متقدمة تقنیا للغایة، تقوم أساسا بإنتاج الصواریخ البالیستیة التکتیکیة أریحا وأرو بالإضافة لإنتاج مرکبة شافیت.

یضاف إلى القائمة مجمع سیدوت میخا (31°42'N 34°55'E) بالقرب من بلدة زکریا شمال عسقلان، وتشیر إلیه بعض المصادر الغربیة خطأ باسم سیدوف میخا، وله تسمیات أخرى مرتبطة بالمنشآت التی یضمها، مثل خربت زکریا، وکفار زکریا.. وأهم ما یمیز الموقع احتضانه ثلاثة أسراب تابعة للقوات الجویة الإسرائیلیة المسلحة بالصواریخ أریحا المتوسطة المدى ذات الرءوس النوویة.

وکانت شرکة غوغل نشرت منذ نحو سنة صورا منخفضة الدقة والوضوح لمحطة سریة للطاقة جنوب عسقلان، لکنها الآن تنشر صورا أفضل جودة.

کما تظهر الصور الحدیثة معسکر رابین، وهو عبارة عن مرکز قیادة لوزارة الدفاع الإسرائیلیة داخل تل أبیب، ویخضع لحراسة مشددة للغایة، ومصدات وحوائط عالیة ونوافذ مضادة للقنابل. وهو یضم مخبأ تحت الأرض تقود من خلاله القیادات العلیا من جنرالات إسرائیل حملاتها العسکریة، کذلک تظهر الصورة مکاتب رئیس الوزراء ووزیر الدفاع ومقرات خدمة الشین بیت السریة.

ومقابل طمأنات شتاینبرج، أبدى الإعلام الإسرائیلی مؤخرا انزعاجه کون مهمة رصد منشآت عسکریة واستخباراتیة داخل إسرائیل لم تعد بالمهمة العسیرة.

وکانت وسائل الإعلام الإسرائیلی استقبلت ذلک التطور بکثیر من الانزعاج وأشاعت هلعا بسببه، وربطت صحیفة "هاآرتس" العبریة بین ما وجد من تطور واستخدام من وصفتهم بالإرهابیین لهذه الصور واستغلالها فی شن هجمات على إسرائیل.

لکن یومیة "یدیعوت أحرونوت" احتلت مکان الصدارة فی إشاعة الخوف، حیث نشرت بعضا من تلک الصور على صفحتها الأولى، وقالت إن الإصدار الجدید من "جوجل إیرث" یمنح أعداء دولة إسرائیل "قدرا من القوة"، ویعد کنزا بالنسبة "للإرهابیین".

وعلقت الصحیفة على ذلک قائلة إن إسرائیل أمضت العقود وأنفقت ملایین الدولارات لإخفاء هذه المواقع عن عیون العامة. ودللت على خطورة وحساسیة تلک المواقع بالتأکید على أنها کلها تخضع لحراسة مشددة على مدار الساعة، وأن مکان الموساد مؤمن بحراسة سریة.

وقالت إن الصحفیین فی إسرائیل یحظر علیهم تصویر أو کشف تفاصیل هذه المواقع بموجب رقابة عسکریة صارمة.

وقال آنذاک ألکس فیشمان مراسل یدیعوت أحرونت للشئون الأمنیة: "هذا یضم قدرا من المعلومات یرغب أی جهاز استخبارات فی بذل المال والجهد لکی یضع یده علیه".

وأوضح أن "خرائط المنشآت الإستراتیجیة الحساسة والأمنیة فی إسرائیل هدف کبیر لدول عدة مثل سوریا وإیران".

وأظهرت فی المقابل حکومة إسرائیل عدم اکتراث أو أبدت قدرا کبیرا من اللامبالاة، خلافا للانزعاج الإعلامی الإسرائیلی، وما أبداه عدد من قادة العالم فور إصدار جوجل إیرث فی السنة الماضیة، من بینهم رئیس وزراء الهند مانموهمان سنیغ الذی اشتکى من خطورة هذا الأمر على الأمن الخاص ببلده.

وفیما رفض مسئولو الأمن الإسرائیلی التعلیق على الصور، علق ضابط سابق رفیع المستوى فی الاستخبارات العسکریة الإسرائیلیة - أصر على عدم کشف هویته - قائلا لصحف إسرائیلیة: "کل ما سأقوله الآن سوف یأتی بنتائج عکسیة، وأظن أنه من الأفضل تجنب القضیة تماما".

ویفسر شتاینبرج الفتور الإسرائیلی الرسمی فی استقبال هذا التطور بقوله: "إن صور الأقمار الصناعیة کانت متاحة قبل الآن لأی أحد یدفع بضعة آلاف من الدولارات، لکنها لم تکن صورا واقعیة، ولم یکن تم التقاطها بالأمس"، وأضاف فی شیء من عدم الاکتراث الواثق: "لا أظن أن هذا یحمل تغییرا کبیرا فی الأمن".

وعزز أستاذ العلوم السیاسیة شتاینبرج کلامه مذکرا بأن مخاوف مماثلة ثارت عندما أفرجت الولایات المتحدة عن بعض من الصور حول مفاعل دیمونة منذ عشرات السنوات مضت. وقال: "کان هناک اهتمام حول وجود تأثیر سلبی لهذا على أمن إسرائیل"، ولا یبدو أنها أتاحت أیة معلومات قیمة لأی أحد یمکن أن یقوم بهجمات على إسرائیل.

من ناحیتها، صرحت کوردی غریفیثس الناطقة باسم غوغل فی لندن لصحیفة "سان فرانسیسکو کرونیکل" بأن الصور التی تم تحدیثها تتماشى مع سیاسة غوغل لتحسین خدماتها للمستخدمین، لکن جریفیثس قالت إن کل الصور المعروضة على غوغل تم شراؤها من شرکات خاصة تبیع صورا للأقمار الصناعیة التجاریة، وأنها محکومة باتفاقیة منظمة لهذا الشأن بین الولایات المتحدة وإسرائیل.

وأضافت مؤکدة "أن هذه الصور الجدیدة تتماشى مع القانون.. صحیح أنها أعلى دقة وأکثر وضوحا من الصور التی کانت معروضة من قبل، ولکنها مادة متاحة بلا قید نشتریها من الشرکات التجاریة"، وأن المسئولیة القانونیة تقع على هذه الشرکات فی تحری کون کل شیء قانونی.

و لم تحبذ غریفیثس الإجابة عما إذا کان المسئولون الإسرائیلیون اشتکوا من جوجل عندما نشرت الصور الجدیدة واکتفت بالقول: "سنکون سعداء لمناقشة أیة تفاصیل قد تحب الحکومة الإسرائیلیة طرحها".

( المقال لـ محمد عبد الحلیم  )

ن /25

 


| رمز الموضوع: 142686







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)