الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إدارة بوش فی أشهرها الأخیرة

تتزامن فی هذه الفترة الجهود الأمیرکیة والأوروبیة فی مجلس الأمن لتشدید الضغوط والعقوبات على إیران مع أعمال القصف والحصار التی تمارسها إسرائیل على الشعب الفلسطینی فی قطاع غزّة.

وکان الرئیس الأمیرکی بوش قد دعا خلال زیارته الأخیرة لمنطقة الشرق الأوسط إلى التطبیع العربی مع إسرائیل وإلى التعامل مع إیران کدولة عدوّة تستحق الحصار والعزل لأنّها تهدّد "الاستقرار فی المنطقة" من خلال دعمها لحرکات تقاوم الاحتلال فی کلٍّ من فلسطین ولبنان والعراق!

ورغم أنّ بوش یدّعی أنّه رئیس "مؤمن"، فإنّ "المؤمن لا یلدغ من الجحر مرّتین". فقد کانت مواقف وممارسات إدارة بوش هی المسؤولة عقب 11 سبتمبر 2001 عن تقویة جماعات التطرّف فی العالم الإسلامی، وذلک حینما اعتمدت هذه الإدارة أسلوب الاحتلال والقهر العسکری فی المنطقة والغطرسة السیاسیة على عموم العالم، فأعطت بهذه الممارسة العسکریة والسیاسیة دعماً لعناصر التطرّف ولفکر الغلوّ المنتشر الآن فی أکثر من بلد عربی وإسلامی.

أمر مشابه یتکرّر الآن فی المنطقة العربیة وجوارها حیث ترید إدارة بوش إقناع الحکّام والشعوب أنّ ما تقوم به إسرائیل من عدوان مستمر على الفلسطینیین ومن رفض لإنهاء احتلال عمره أکثر من أربعین سنة، ومن اغتصاب حقوق فی الأرض والوطن على مدار ستة عقود، إنّما هی ممارسات تستحق التسلیم بها والتطبیع مع أصحابها، بل والاصطفاف معهم ضدّ "العدو الإیرانی"، کما کانت الأعذار فی القرن الماضی ضدّ "العدو الشیوعی"!

لقد جال بوش مؤخّراً فی أکثر من بلد عربی وهو ینفخ فی بوق فیه ثقوب کثیرة، ممّا جعل تصریحاته کاللحن النشاز فی منطقة لا تستسیغ الآن سماع الموسیقى الأمیرکیة العازفة فقط على أوتار "المارشات" العسکریة!

فقد أطلق بوش عبارات مرغوب بها عربیاً (کالإشارة إلى الاحتلال الإسرائیلی وإلى ضرورة قیام دولة فلسطینیة)، لکن مضمون هذه العبارات جاء إسرائیلیاً بالکامل. فقد دعا بوش إلى التخلّی عن مرجعیة قرارات الأمم المتحدة، وإلى التسلیم بالوقائع الجدیدة القائمة على الأرض، وإلى إسقاط حقّ العودة لملایین من اللاجئین الفلسطینیین، کما دعا إلى عزل ومحاربة کل من یمارس حقّ المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائیلی. ولا أعلم کیف استطاع بوش أن یجمع فی تصریحاته بین وصف "الاحتلال الإسرائیلی" لأکثر من أربعین عاماً وبین رفضه لحقّ مقاومة الاحتلال! ألیس الاعتزاز الأمیرکی بالاستقلال عن التاج البریطانی هو حصیلة المقاومة؟ ثم لماذا تضامنت أمیرکا مع المقاومة الفرنسیة ضدّ الاحتلال النازی فی الحرب العالمیة الثانیة ولم تقل آنذاک بضرورة قبول "الأمر الواقع" واعتماد المفاوضات فقط؟! ولِمَ کانت المقاومة الأفغانیة ضدّ الاحتلال الشیوعی الروسی مشروعة وهی محرّمة الآن ضدّ الاحتلال الإسرائیلی الذی یدنّس أرضاً مقدّسة لجمیع المسلمین والمسیحیین فی العالم!!

هو "جهاد" إذا کان یخدم المصالح الأمیرکیة، وهو "إرهاب" إذا کان من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائیلی!

لقد أصبح واضحاً الآن أنّ جولة بوش فی المنطقة کانت تتعامل "تکتیکیاً" مع الملف الفلسطینی بینما الهدف الإستراتیجی للجولة کان "الملف الإیرانی".

وکان من المفترض منطقیا أن تکون زیارة بوش من أجل تعزیز نهج مختلف سارت علیه وزارة الخارجیة الأمیرکیة منذ مطلع العام الماضی عقب توصیات بیکر/هاملتون، وهو نهج اعتمد المفاوضات مع کوریا الشمالیة وباشر قنوات اتصال وتفاوض مع طهران ودمشق، ودعا إلى دور أمیرکی فعّال فی الصراع العربی/الإسرائیلی عموماً، وفی الملف الفلسطینی خصوصاً، بعدما تجاهلت إدارة بوش هذا الملف لسنوات عدیدة.

لکن جاءت زیارة بوش للمنطقة وکأنّها استمراریة لنهج "الصقور" فی الإدارة وبشکل لا یخدم التوجّهات الجدیدة للخارجیة الأمیرکیة.

إنّ إدارة بوش الآن هی کالطیر الذی لم یحسن الطیر کصقرٍ ثاقب ولا یقدر أن یکون الآن طائراً کحمامة سلام. فالظروف الداخلیة الأمیرکیة والأوضاع الدولیة الحالیة لا تسمح لإدارة بوش بالقیام فی حروب جدیدة أو توسیع دائرة الانغماس العسکری الأمیرکی فی العالم، بعد الفشل الکبیر الذی مُنیت به هذه الإدارة فی حربها على العراق وفی التعثّر بأوضاع أفغانستان. 

وکان أولى لهذه الإدارة أن تحفظ ماء وجهها وأن تساعد حزبها الجمهوری فی الانتخابات القادمة، من خلال تبنّی توصیات بیکر/هاملتون التی جاءت تعبیراً عن إرادة وطنیة أمیرکیة وعمّا یطالب به الرأی العام الأمیرکی، وعن الرسالة التی حملتها الانتخابات النصفیة فی نوفمبر 2006.

لکن ما یشجّع إدارة بوش على السیر مجدّداً فی "نهج الصقور" هو واقع الحال العربی بالجملة وبالمفرّق. فلا تنسیق ولا توافق بین مصر وسوریا والسعودیة، وهی الدول التی فی تضامنها یتحقّق التضامن العربی الفعّال، وفی خلافاتها ینعدم الموقف العربی الواحد وتظهر الصراعات فی أکثر من ساحة عربیة.

أیضاً، ما زالت إدارة بوش تراهن على صراعات عربیة/إیرانیة وعلى مزیج من الجهل والجاهلیة فی شعوب العالم الإسلامی ممّا یجعل البعض ینشدون الدعم الأمیرکی والإسرائیلی ضدّ أخوة لهم فی الدین أو فی المواطنة!

فلو کانت هناک جدّیة فعلیة لدى إدارة بوش فی التعامل مع الملف الفلسطینی وإنهاء الاحتلال الإسرائیلی وإقامة دولة فلسطینیة لما کان لهذه الإدارة أن تتجاهل قرارات الأمم المتحدة والمبادرة العربیة ولما کان لها أن تشجّع على مزید من الصراعات الفلسطینیة، إذ کیف سیتمّ بناء دولة فلسطینیة من دون غزّة وبلا توافق فلسطینی داخلی؟ وکیف تکون هناک دعوة أمیرکیة جادّة لإنهاء الاحتلال الإسرائیلی مع دعوة أخرى للقبول بالأمر الواقع الذی یعنی التسلیم بالمستوطنات وبالجدار الإسرائیلی وبإلغاء حق العودة؟

وکیف سیتمّ تکریس أی اتفاقیات على صعید الملف الفلسطینی بلا تفاهم وتفاوض مع سوریا التی لدیها أیضاً أرض محتلّة ولها علاقات وطیدة مع فصائل فلسطینیة فاعلة؟!

إدارة بوش اعتبرت شارون "رجل سلام" حینما کان یقتل الفلسطینیین ویدمّر مناطقهم ویحاصر قیادتهم.

إدارة بوش أعلنت تأییدها لإسرائیل کدولة یهودیة یحقّ لها ضمّ أی یهودی فی العالم وطرد من قد یشکّلون خطراً على الغالبیة الیهودیة فیها، بینما ألغت هذه الإدارة حقّ العودة لأصحاب الأرض الأصلیین والشرعیین.

إدارة بوش أسقطت حقّ المقاومة ضدّ الاحتلال وساوته بالإرهاب المرفوض عربیاً وإسلامیاً ودولیاً، بینما أعطت مشروعیة لإرهاب الدولة الإسرائیلیة ضدّ مئات الألوف من الفلسطینیین الأبریاء المحاصرین فی غزّة.

إدارة بوش تدعو إلى الدیمقراطیة فی المنطقة وهی التی رفضت التعامل مع نتائج الانتخابات الدیمقراطیة التی أوصلت حرکة حماس إلى قیادة حکومة السلطة الفلسطینیة.

إدارة بوش تدعو اللبنانیین إلى رفض التدخّل السوری فی شؤونهم، وهی التی دعمت الحرب الإسرائیلیة الوحشیة على لبنان فی العام 2006 بل ربّما تکون من شجّع أصلاً على القیام بها!

إدارة بوش تدعو العراقیین والعرب إلى وقف التعامل مع إیران، وهی التی غزت العراق وتحتله، ودمّرت مقوّمات الدولة فیه وعناصر الوحدة بین أبنائه ومناطقه!

یبدو أنّ إدارة بوش فی أشهرها الأخیرة ستکتفی بإدارة الأزمات وفق مقولة: "علیّ وعلى أعدائی". وهی سیاسة مدمّرة للمصالح الأمیرکیة قبل أی شیء آخر.

( المقال للدکتور صبحی غندور مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن )

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 142652







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)