الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

اسرائیل لا تمانع فی التجدید لمبارک او تعیین ابنه؟

بقلم الکاتب العراقی جمال محمد تقی

  

2011 ستنتهی ولایة حسنی مبارک الخامسة بعد ان استمر بالحکم 30 سنة متتالیة، وستنعقد ساعتها انتخابات رئاسیة جدیدة فصلت شروطها لتکون ملائمة للتجدید له او لانتخاب ابنه جمال مبارک الذی یتقدم الصفوف الاولى فی الحزب الوطنی، حزب الاغلبیة، وحزب السلطة، وحزب السید الوالد، حزب رجال المال والاعمال والطبقة العلیا من بیروقراطیی الدولة التابعة والمشوهة وقواتها المسلحة واجهزتها الامنیة المتصاهرة مع سوق الاستثمار الخدمی والریعی والتجاری والبنکی المنفلت والذی یدار من قطط سمان مهجنة ومولدة من ماکنة التفریخ الطفیلی المتواکل على آلیات التبعیة غیر المقیدة والمفتوحة على مصراعیها لمصالح الاحتکارات متعددة الجنسیات والمتخادمة مع المصالح الاسرائیلیة لیس فی مصر وحدها وانما فی المنطقة کلها .

النظام المصری وضع مختارا کل اوراقه بید الامریکان وبالتالی الاسرائیلیین، واذا کانت 99 بالمئة من اوراق الصراع والبقاء بید امریکا کما اعتقد السادات فان نظام مبارک یؤمن ویمارس على ان الاوراق کلها ای 100 بالمئة بید امریکا مضافا لها اسرائیل.

نظام مبارک یعتقد ان مجرد استمرار بقاءه فی السلطة هو بحد ذاته انجاز قومی ووطنی بمعزل عن النتائج الکارثیة التی یسببها استمراره بنهجه الذی یشکل حالة تراجع شاملة لمصر ومحیطها العربی وعلى کافة الاصعدة السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة.

صحافة النظام تصور مصر وکأنها تعیش عصرها الذهبی، فی حین ان کل الدلائل تشیر الى عصر الانحطاط.

مصر فریسة الانفتاح المنبطح، فریسة بیع السیادة والقرار المستقل، فریسة الخصخصة الطفیلیة، والاستثمارات الشافطة لبرکة دورة التنمیة المنتجة فی الاقتصاد المصری، ولا ادل على ذلک سوى شهادات حسن السلوک والاصغاء التی 'تبروز' تزاید مظاهر الشحة والقحط والجوع والبطالة والفساد الذی یضرب باطنابه اکثر من 80 بالمئة من الشعب المصری، والتی تصدرها بحق سیاسات اصحاب الحکم فی مصر منظمات صندوق النقد الدولی والتجارة العالمیة والبنک الدولی، هذا الثلاثی الذی یشکل الذراع الطولى والتحتیة لضمان مصالح الکبار فی العالم، والذی یهندس للبلدان التابعة والتائهة طرق تعبید وتأبید تبعیتها للرأسمال الغربی وحریته فی الزام اقتصادیات هذه الدول بما یملیه علیها من تقسیم للعمل بلدان مستهلکة لا تنتج غیر الخامات بما فیها الخامات البشریة، ومحرم علیها الاستثمار بالزراعة النوعیة او الصناعات الحیویة والاستراتیجیة نراه فاعلا فی مصر وغیرها من البلدان الفاشلة عکس البلدان النامیة التی لم تسلم مقدراتها لا سیاسیا ولا اقتصادیا الى القوى المهیمنة عالمیا، وتبلورت من هذه النتیجة معادلة قیاسیة تقول انه کلما ابتعد الثلاثی الموبوء هذا عن دولة ما کلما استطاعت هذه الدولة من تحقیق نمو حقیقی وتطور اقتصادی وسیاسی مواز، والهند خیر مثال، فالرأسمالیة الوطنیة رسخت تقالیدها الاقتصادیة والسیاسیة ورکزت على الصناعات الحیویة وعلى التحول من الاستهلاک السلبی الى الانتاج الحیوی زراعیا وصناعیا، وبقی فیها دور القطاع العام ضامنا وموازنا لتعملق القطاع الخاص المحلی او الاجنبی او المختلط.

مصر ضیعت الطریقین، ففی العقود الاربعة الاخیرة وتحدیدا منذ الانفتاح الساداتی وما تبعه من رهن للاقتصاد المصری بید الثلاثی الموبوء واعتمادها على الاستهلاک الریعی بدلا من الانتاج الحیوی، تکرست آلیات التشوه والتخبط والتبعیة، فلا القطاع العام فیها تطور ولا الخاص ایضا، القطاع العام اضطهد وحول الى عبء تسعى السلطة الطفیلیة للتخلص منه، اما الخاص ففی اغلبه خدمی وریعی وتجاری مرتبط بتوکیلات متعددة الجنسیة.

لیست هناک حروب خارجیة تکلف الخزینة، ولیست هناک مساعدات تقدمها لافریقیا کما کانت تفعل ایام عبد الناصر، بل هناک ریع اضافی من النفط والغاز، وهناک مساعدة امریکیة تقدر بحوالی ملیارین سنویا، کل هذا ومصر تعانی اضعاف ما کانت تعانیه بل انها تقف على حافة الانهیار، علما ان الزیادة السکانیة فیها هی زیادة طبیعیة وهی اقل بکثیر من نسبة الزیادة فی الهند.

السبب فی کل هذا یعود للنهج التبعی للدولة الذی افتتحه السادات وسار علیه بترف نظام حسنی مبارک، وما زاد الطین بلة هو ترافق هذا التراجع الاقتصادی مع فقدان السیادة على القرار المصری المستقل، فبدلا من ان تکون اتفاقیة السلام مع اسرائیل سدا لباب واسعة کانت تأتی منها ریح ذات سموم تضاهی ریاح الخماسین وتتفوق علیها نوعیا، اصبحت هذه الاتفاقیة وتبعاتها السیاسیة والاقتصادیة والعسکریة والمعنویة ادوات للاختراق والتسرب والتحکم بکامل نهج الدولة المصریة، فمصر لا تستطیع ان تخطو خطوة واحدة مهمة دون ان تحسب الحساب لمصالح ومشاعر وردود افعال جارتها اللدودة اسرائیل، لا تستطیع ان تزید اعداد جنودها فی سیناء، لا تستطیع ان تطور قواتها المسلحة تطویرا نوعیا، لا تستطیع الخوض بتجارب الاستخدام النووی للاغراض السلمیة، لا تستطیع ان تطبق میثاق الجامعة العربیة، لا تستطیع ان تبیع النفط والغاز لاسرائیل بالاسعار الطبیعیة تبیعه لها باسعار تفضیلیة لا تستطیع التعامل بقساوة مع شبکات التجسس الاسرائیلیة، لا تستطیع ان تتعامل بحیادیة مع خلایا المقاومة التی تکتشف على الارض المصریة، لا تستطیع ان تکون اکثر من وسیط او مراسل بین الاسرائیلیین من جهة والفلسطینیین من جهة اخرى، لا تستطیع منع بیع اسماک بحیرة ناصرالتی یفتقدها المصریین للاسرائیلیین وباسعار تفضیلیة ایضا، لا تستطیع الامتناع عن التنسیق المخابراتی مع اسرائیل، لا تستطیع دخول ای حلف استراتیجی مع ای دولة فی المنطقة عدوة لاسرائیل، لا تستطیع حمایة منابع النیل من التغلغل الاسرائیلی، لا تستطیع حمایة نفسها من الاضرار الاشعاعیة للانشطة النوویة الاسرائیلیة، لا تستطیع التصرف بحدودها مع جارتها غزة وبسیادة حقیقیة، لا تستطیع رفض المقترح الامریکی الاسرائیلی لبناء الجدار الفولاذی على الحدود بین مصر وغزة، ولا تستطیع غیر ان تدعی بان بناء الجدار الفولاذی مع غزة هو قرار مصری ولمصلحة مصریة، لانها لا تستطیع ان لا تعتبر المصلحة الاسرائیلیة مصلحة مصریة.

هکذا هو حال مصر بعد توقیع اتفاقیة الاستسلام مع اسرائیل، وبعد ان سار على نهجها وبتمعن نظام حسنی مبارک ولمدة تجاوزت الثلاثة عقود حیث فقدت خلالها مصر حصانتها الداخلیة ناهیک عن الحصانة الخارجیة، وتناسبت خلالها نسب التعاشق بین النظامین الاسرائیلی والمبارکی وعن بعد وقرب، حتى ان نظام مبارک لعب دورا فی اخراج اسرائیل من دائرة الحرج اثناء عدوانها على جنوب لبنان وحربها على غزة عندما حمل النظام المصری حزب الله وحماس مسؤولیة ما جرى ویجری.

لا اعتقد بعد کل هذا ان لا یکون لاسرائیل تطلعات ما بصدد مسألة مهمة واستراتیجیة فی بلد کمصر یکون لشخص الرئیس فیها دور الحسم، فهل یعقل مثلا ان تهتم المخابرات الاسرائیلیة بمواصفات وزیر خارجیة مصر ولا تهتم بمواصفات الرئیس البدیل لمبارک خاصة وانه فی سن متقدمة من عمره 81 سنة وهل یعقل انها تخطط لتطویق مصر بحزام من الانشغالات الذاتیة لاضعاف عمقها الاستراتیجی وقطع منابع قوتها ولا تهتم بماهیة الرئیس المصری القادم.

انها مهتمة برؤساء صحف مصریین ومهتمة بخصال شیخ الازهر فکیف لا تهتم بالرئیس بل کیف تقف مکتوفة الایدی ازاء مجهولیة البدیل لاهم واخطر وظیفة فی مصر کلها. مصر اکبر الاقطار العربیة ولها ثقل تاریخی وجغرافی وسیاسی وثقافی ومعنوی یصعب تجاوزه، مصر التی من اجل عزلها عن الصراع العربی الاسرائیلی تخلت اسرائیل عن احتفاظها بارض سیناء التی تفوق مساحة اسرائیل الحالیة، مصر بشعبها الذی یعتبر اسرائیل جسما غریبا، فهو شعب اصیل ینبض لای نداء یأتیه من بغداد الى تطوان.

اسرائیل تدرک کل هذا وتدرک ان رئیسا شعبیا یمتلک الشرعیتین الانتخابیة والروحیة بمعناها العروبی یکون قادرا على تغییر المعادلة غیر العادلة المجسدة الان فی العلاقات الاسرائیلیة المصریة، والمصریة العربیة.

من کل الذی تقدم لا اعتقد ان من مصلحة اسرائیل تجریب رئیس اخر قد یفتح الباب لرؤساء اخرین بعده ربما یضمرون ما لا یحمد عقباه بالنسبة لها، وعلیه فان تجدید ولایة مبارک او اختیار ابنه جمال بدیلا عنه هو الخیار الانسب لها لان شرعیة الابن نابعة من سیاسة ابیه وبما ان ابیه قد شرعن ما لاسرائیل فی مصرالان، فان الابن سیکون امینا علیها، فهو نفسه امتداد لهذه الشرعیة التی اذا خرج علیها سقطت شرعیته المکفولة بالضمانات الاسرائیلیة والامریکیة.

شأن اسرائیل هو شأن اسرائیل، لکن الشعب المصری المتذمر یبقى هو صاحب الشأن الاول والاخیر.

ن/25


| رمز الموضوع: 141319







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)