الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

المصالحة الفلسطینیة لیست مطلوبة لذاتها

إستلمت وکالة قدسنا هذا المقال من الکاتب نقولا ناصر

عشیة وصول مستشار الأمن القومی والمبعوث الرئاسی الأمیرکیین، جیمس جونز وجورج میتشل، إلى المنطقة، ارتفع الحث على المصالحة الوطنیة الفلسطینیة إلى مستوى القمة العربیة، مما یثیر سؤالا مشروعا حول ما إذا کانت هذه المصالحة مطلوبة لذاتها عربیا وفلسطینیا أم أنها تأتی فی سیاق الضغوط الأمیرکیة – الإسرائیلیة لاستئناف محادثات فلسطینیة – إسرائیلیة الهدف منها تهدئة جبهة الصراع العربی الإسرائیلی خدمة لاستراتیجیة أمیرکیة تستهدف التفرغ الأمیرکی – الإسرائیلی لحسم المواجهة مع إیران والحرب على العراق وأفغانستان وباکستان لصالح الحلیفین.

منذ بدأ ماراثون الحوار الوطنی الفلسطینی فی القاهرة أوائل عام 2005، الذی تمخض عن إعلان القاهرة، ثم عن "وثیقة الأسرى" فی العام التالی واتفاق مکة فی العام الذی تلاه وإعلان صنعاء الذی تبنته قمة دمشق العربیة بعد ذلک وصولا إلى "الورقة المصریة" العام المنصرم، ومرورا بالضغوط الأمیرکیة على قیادة سلطة الحکم الذاتی الفلسطینی للسماح لحرکة المقاومة الإسلامیة "حماس" بخوض انتخابات عام 2006 فی محاولة انقلبت على مخططیها لاستیعاب المقاومة الفلسطینیة ضمن مؤسسات أوسلو واتفاقیاتها، کان هدف شرکاء عملیة أوسلو من الحوار واحدا وهو الوصول إلى "تهدئة" للمقاومة تسمح للعملیة إما بالاستمرار إلى اجل غیر مسمى حتى تحقق دولة الاحتلال أهدافها منها أو حتى یتم التوصل إلى تسویة سیاسیة للصراع العربی الإسرائیلی حول فلسطین تنهیه بالشروط الأمیرکیة– الإسرائیلیة.

وکل مؤشرات الحراک الدبلوماسی الحالی تؤکد أن الهدف لم یتغیر، فتسلیط کل الأضواء على المصالحة الفلسطینیة فی الحرکة الدبلوماسیة والسیاسیة العربیة الناشطة حالیا یکاد یغرق الرأی العام العربی والفلسطینی فی تفاصیله بحیث یکاد یحجب حقیقة أن عنوان المصالحة الفلسطینیة الذی تجری هذه الحرکة باسمه لیس هو العنوان الحقیقی لها وأن هذه الحرکة تستهدف أولا وقبل کل شیء آخر الاستجابة للضغوط الأمیرکیة والبحث عن توافق عربی مع هذه الضغوط قبل انعقاد قمة جامعة الدول العربیة فی لیبیا فی شهر آذار/ مارس المقبل، ولا یستهدف المصالحة الفلسطینیة فی حد ذاتها إلا بقدر کون هذه المصالحة استحقاقا لا بد منه فی هذا السیاق، بالرغم من کون هذه المصالحة استحقاق وطنی فلسطینی ملح مطلوبا لذاته.

وما یزال التناقض بین المصالحة الفلسطینیة کاستحقاق یتطلبه استئناف "عملیة السلام"-- فی الأقل لإسقاط الحجة الإسرائیلیة بأن الشریک الفلسطینی فی عملیة التفاوض، أی رئاسة منظمة التحریر الفلسطینیة وسلطة الحکم الذاتی، لیس مؤهلا للوفاء بالتزامات أی اتفاق قد یتم التوصل إلیه طالما استمر الانقسام الفلسطینی الراهن– وبین المصالحة کاستحقاق وطنی فلسطینی مطلوبا لذاته هو العائق الرئیسی أمام إنجاز هذه المصالحة وهو السبب الأهم فی استمرار الانقسام الفلسطینی.

وطالما تذرع شرکاء "عملیة السلام" بالدعم العربی والإسلامی للمقاومة الفلسطینیة باعتباره العقبة الرئیسیة أمام إنجاز المصالحة الفلسطینیة، وطالما اتهموا حرکة حماس کعنوان لهذه المقاومة بأنها تخدم أجندات إقلیمیة "إیرانیة وسوریة بخاصة" لا فلسطینیة للتغطیة على الأجندة الأمیرکیة التی یراهنون علیها ویعتبرون جزءا لا یتجزأ من استراتیجیتها الإقلیمیة، لکن الجولة العربیة التی قام بها مؤخرا وفد الحرکة برئاسة رئیس مکتبها السیاسی خالد مشعل قد أسقطت هذه الحجة ولم تترک مجالا لأی شک فی أن أجندتها وطنیة فلسطینیة وعربیة، بینما أسقطت هذه الحجة أیضا القوى الإقلیمیة الداعمة للمقاومة الفلسطینیة، کما یثبت على سبیل المثال الحث السوری والإیرانی والقطری على المصالحة الفلسطینیة وتأکید هذه القوى إلى جانب حماس نفسها والعربیة السعودیة وغیرها على الدور المصری فی إنجازها وتبدید أیة شکوک فی منازعة مصر على هذا الدور.

لکن رفض القیادة الفلسطینیة المفاوضة الاجتماع مع قیادة حماس واللقاء معها فی منتصف الطریق واستمرار تمسکها بالشروط الإسرائیلیة – الأمیرکیة التی تبنتها اللجنة الرباعیة الدولیة لإنجازها یؤکد بما لا یدع مجالا لأی شک أیضا بأن هذه القیادة ما زالت تسعى إلى المصالحة کاستحقاق لاستئناف تفاوضها مع دولة الاحتلال الإسرائیلی لا کاستحقاق وطنی ملح تأخر موعده أکثر من اللازم.

ویتلخص الحراک الأمیرکی الراهن فی استخدام العصا والجزرة مع هذه القیادة من أجل إطلاق المحادثات مع دولة الاحتلال "دون شروط"، وعلى أساس الوضع الراهن للاحتلال الإسرائیلی والانقسام الفلسطینی دون أی تغییر فیهما، وتجند الإدارة الأمیرکیة الضغط الدولی والضغط العربی لهذا الغرض، فجونز ومیتشل یحرصان على أن یکون لقائهما مع هذه القیادة فی ختام جولتیهما، لا فی البدایة، فالأول اختار أن یلتقی أولا بکل القیادات الإسرائیلیة السیاسیة والعسکریة والأمنیة قبل وقفة قصیرة فی رام الله لم تطل أکثر من الوقت الذی استغرقه إسماع إملاءاته لیمضی الوقت الأطول مع الجنرال کیث دایتون وکیله الأمنی فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة عام 1967، والثانی اختار أن یتوقف فی بروکسل لیتسلح فیها بالدعم السیاسی للرباعیة الدولیة والحوافز الاقتصادیة للدول المانحة قبل أن یقوم بجولة عربیة لتجنید الدعم العربی من أجل "إقناع" قیادة رام الله باستئناف التفاوض "دون شروط" بتوفیر شبکة إسناد عربیة تحمی تراجع المفاوض الفلسطینی عن شروطه المعلنة لاستئناف التفاوض.

والحجة الأمیرکیة لإقناع المفاوض الفلسطینی بإسقاط شرطه الوحید لاستئناف المفاوضات المتمثل بتجمید کامل للاستیطان "لفترة مؤقتة"، کما قال "الرئیس" محمود عباس، أعلنتها وزیرة الخارجیة هیلاری کلینتون بعد محادثاتها الأخیرة فی واشنطن مع نظیریها المصری احمد أبو الغیط والأردنی ناصر جودة، عندما قالت إن التفاوض على حل لمشکلة الحدود والقدس سیقود تلقائیا إلى حل مشکلة المستوطنات، وهذا هو بالتحدید المنطق الأمیرکی الذی قاد منذ عام 1967 إلى استفحال مشروع الاستیطان استفحالا ینسف مبدأ "الأرض مقابل السلام" التی انطلقت "عملیة السلام" على أساسه حد أن تصبح الحکومات الإسرائیلیة والإدارات الأمیرکیة المتعاقبة وعملیة السلام نفسها وأی تسویة قد تتمخض عنها مرتهنة جمیعها لإرادة نصف ملیون مستوطن غیر شرعی یصرون الآن على تقاسم الضفة الفلسطینیة لنهر الأردن مع مواطنیها.

وطبعا لم یکن إنهاء حصار غزة فی أی وقت من الأوقات على جدول أعمال المفاوض الفلسطینی کشرط مسبق لاستئناف المفاوضات، لا بل إن استمرار هذا الحصار کان وما زال شرطا مسبقا مفروضا على المفاوض الفلسطینی لاستئنافها، ومثله الانقسام الفلسطینی، وفی سیاق هذا الشرط لا یعود مستغربا أن تتصاعد التهدیدات الإسرائیلیة بعدوان جدید واسع آخر على قطاع غزة تصاعدا طردیا مع تسارع الحرکة السیاسیة من أجل تحریک عملیة التفاوض مجددا، وهی تهدیدات تستمد جدیتها من إعلان دولة الاحتلال عن استکمال بناء نظام "القبة الحدیدیة" لاعتراض صواریخ المقاومة خلال الشهور الستة المقبلة بعد إعلانها عن نجاح تجاربها على أنظمة اعتراض الصواریخ متوسطة المدى، کما لا یعود مستغربا اشتراط مصر انجاز المصالحة الفلسطینیة أولا وصفقة تبادل الأسرى مع دولة الاحتلال ثانیا قبل رفع الحصار عن القطاع وفتح الحدود مع مصر، کما قال الناطق باسم الخارجیة المصریة حسام زکی.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 141312







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)