الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

عبارات ومواقف تنتهک العدالة ..

بثینة شعبان

لابدّ من قراءة تصریح وزیرة الخارجیة الأمیرکیة الأخیر حول الاستیطان الإسرائیلی فی ضوء اجتماع الرئیس أوباما مع مجموعة جی ستریت الیهودیة فی واشنطن وفی ضوء رفض الحکومة الإسرائیلیة الالتزام بالمرجعیات الدولیة رغم ما یُسمّى بالضغوط – وهی ضغوط لفظیة فقط- من قبل الولایات المتحدة وأوروبا. فقد قالت السیدة هیلاری کلینتون فی تصریحها الأخیر عن الاستیطان "نعمل مع الإسرائیلیین حول مسألة المستوطنات مع أننا نعرف أن الظروف السیاسیة صعبة"، إذاً لم یعد العمل الأمیرکی یتسمُ بالضغط على إسرائیل لوقف الاستیطان، بل أصبح العمل مع إسرائیل یتسمُ بتفهّم الظروف السیاسیة الإسرائیلیة التی تمنعهم حکماً من وقف الاستیطان!. هذا موقف جدید للإدارة الأمیرکیة یختلف تماماً عن موقفهم المعلن مسبقاً أن على إسرائیل وقف جمیع أشکال الاستیطان بما فیه النموّ الطبیعی کما نصت على ذلک کلّ المرجعیات والقوانین الدولیة بما فیها نصّ الرباعیة الواضح، والتی یتغنون بشروطها، علماً أنّ إسرائیل لم تنفذ أی بند من بنودها. إلا أن کلینتون لم تذکّر بشروط الرباعیة تجاه إسرائیل والتی تتضمن "شرط وقف کل أشکال الاستیطان بما فیها ما یسمونه بالنمو الطبیعی" بل أعادت شروط الرباعیة إزاء حماس کشرط أساسی للانفتاح علیها. وأکدت کلینتون أن على الفلسطینیین واجبات مثل "وقف التحریض" وأنه یجب البناء على المبادرة العربیة بالانفتاح على إسرائیل. وفی کلّ هذا تختار وزیرة الخارجیة الأمیرکیة من کلّ المرجعیات الدولیة ما یناسب إسرائیل وتتجاهل البنود المرتبطة بحقوق العرب، إذ أن الانفتاح على إسرائیل مشروط فی المبادرة العربیة بانسحاب إسرائیل الکامل إلى حدود 4 حزیران 1967 من جمیع الأراضی العربیة المحتلة، ومن ثمّ تبدأ الدول العربیة علاقات مع إسرائیل. فکیف یمکن اختیار بند الانفتاح على إسرائیل وتجاهل أسبابه الموجبة وهی الانسحاب الإسرائیلی من کامل الأراضی العربیة التی احتلتها إسرائیل فی عام 1967؟
وإذا کانت وزیرة الخارجیة قد طالبت الفلسطینیین بوقف التحریض، مع أن هذه العبارة ظالمة لشعب یرزح تحت الاحتلال الیهودی منذ أکثر من ستین عاماً ومحروم من الحریة والعدالة وحقوق الإنسان طوال کل هذه العقود المظلمة فکیف تصنف اعترافات الجنود الإسرائیلیین حول الحرب على غزة والتی اعترفوا فیها للمنظمة الإسرائیلیة "کسر الصمت" بأن القادة العسکریین الإسرائیلیین "أصرّوا على جنودهم "ألا یظهروا أی رحمة للمدنیین الفلسطینیین"، و"ألا یدخلوا غرفة أو منزلاً قبل أن یطلقوا النار على من فیه"، و"أن یقتلوا الآن ویفکروا لاحقاً". وإفادات الجنود هذه تکذّب تقاریر الجیش الإسرائیلی السابقة وتؤکد أن قادة وضباط وجنود الجیش الإسرائیلی ارتکبوا جرائم حرب راح ضحیتها مئات المدنیین العزل فی غزة. کل هذا لیس مجرّد "تحریض" وإنما هو قتل مخطط ومتعمد للمدنیین العزل فلماذا تصمت السیدة کلینتون وغیرها عن هذا التقریر؟ أم أنه سیکون مجرد خبر کأخبار حرق المستوطنین یومیاً لمحاصیل الفلاحین الفلسطینیین وقتل الجنود الإسرائیلیین الیومی للشباب الفلسطینی بالطبع دون إدانة من الساسة الغربیین. بل وبالتزامن مع هذا التقریر وهذه الجرائم الیومیة أعلنت واشنطن على لسان وزیرة الخارجیة الأمیرکیة أن "المطلوب من العرب الآن مبادرات ملموسة تجاه إسرائیل".
أما الرئیس أوباما فقد التقى یوم الاثنین بقادة یهود وأکد لهم تمسکه "بالالتزام بأمن إسرائیل" وأنه یطلب من "إسرائیل والفلسطینیین على التوازی" باتخاذ خطوات ملموسة نحو استئناف محادثات السلام وأن هذا یتطلب "تضحیات من الجانبین". والسؤال هو فی کلّ هذا أن عبارة "الطرفین" أو "الإسرائیلیین والفلسطینیین" بالتوازی عبارة ظالمة جداً للفلسطینیین المحرومین من الحریة وحقوق الإنسان، وهی عبارات متهاونة مع الجرائم الإسرائیلیة، لأنه لا یوجد أی تکافؤ بین من یزرع المحصول لیجد المستوطنین الیهود یحرقونه برمته قبل الحصاد، وبین من یذهب لأداء الصلاة وبین من یمنعه بقوّة السلاح، وبین شعب احتُجزَ برمته رهینة فی غزة وبین قوة احتلال غاشمة تُطبق علیه أسوار الحصار فی البحر والبرّ والجو، ومن ثمّ یتحدث الغرب برمته عن القاتل والضحیة وعمّن یمتلک کلّ أسباب القوة والآخر الذی یُعاقبُ بها کطرفین متساویین. لا بل إن العالم الغربی یتحدث عن أمن إسرائیل وضرورة حمایة هذا الأمن وهی المدججة بالسلاح النووی والممالأة الغربیة بینما هی التی تنتهک أمن کل فلسطینی یومیاً على ترابه وأرضه الوطنیة.
وفی هذا الصدد فإن تعلیق الرئیس الأمیرکی أوباما بأن الشعب الفلسطینی یفتقر إلى القیادة له أسبابه الوجیهة، إذ أن إسرائیل عمدت خلال نصف القرن الماضی إلى اغتیال القیادات الفلسطینیة فی الداخل والخارج فیما کان قادة الولایات المتحدة یتعاونون عبر أجهزة مخابراتهم لتنفیذ هذه الاغتیالات، کما تزج إسرائیل بالآلاف من هذه القیادات حتى أعضاء البرلمان المنتخبین فی غیاهب سجونها لتترک الشعب الفلسطینی دون قیادة فاعلة. وبدلاً من لوم الشعب الفلسطینی على افتقاره للقیادة من الوجیه إحصاء مئات القیادات الفذة التی اغتالتها فرق الموت الإسرائیلیة وهناک وزراء حالیین وسابقین إسرائیلیین ممن مارسوا الاغتیال بأیدیهم للقادة الفلسطینیین. فالمشکلة إذاً لیست غیاب القیادة الفلسطینیة بل جرائم الاغتیال الإسرائیلیة المدعومة من قبل الغربیین. والمشکلة هی رفض إسرائیل الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطینی ومنها حقه فی الحیاة والحریة والاستقلال.
هذه القراءة للمواقف الأمیرکیة الجدیدة من الاستیطان والقضایا الأساسیة فی الصراع العربی- الإسرائیلی تقودنا إلى السؤال أین نسیر نحن العرب من هنا؟ وهل هناک احتمال لجهد أمریکی لإیجاد حلول عادلة فی الشرق الأوسط وفق المرجعیات والقوانین الدولیة أم أن السفینة تسیر باتجاه المزید من الضغط على العرب للتطبیع مع إسرائیل وحسب مقابل لاشیء وربما بعض الالتزامات اللفظیة التی لن تقود إلى أی وقف للاستیطان أو إعادة لأی من الحقوق؟ السؤال الهام والکبیر هو من المسؤول عن هذا الانحیاز الغربی الواضح لحیاة الإسرائیلی وأمنه على حساب الفلسطینی وأمنه وحقه فی الحیاة الکریمة؟ الاحتلال الإسرائیلی هو المسؤول الأول، وکذلک ازدواجیة المعاییر الغربیة، کما أن الوضع العربی مسؤول إلى حدّ کبیر. إذ فی الوقت الذی یستمع أوباما إلى قادة المنظمات الصهیونیة ویلتقی بحکومة إسرائیل وممثلین عنها دوریاً، من هو الذی یمثّل وجهة النظر العربیة ومن یقدّم الحقائق عن الوضع العربی للإدارة الأمیرکیة کی یتحقق فی واشنطن وغیرها من العواصم ذلک التوازن المطلوب جداً فی فهم الصراع العربی الإسرائیلی وآفاق حلوله؟
یبدو أن طبیعة هذا الصراع تدخل الیوم مرحلة مختلفة إذ لم یعد من الممکن الرکون إلى تحقیق هذا التوازن لدى صناع القرار فی الغرب ولابدّ من فتح هذا الصراع إلى العالمیة کقضیة عدالة وحقوق، تماماً کما کان الموقف من الحکم العنصری فی جنوب إفریقیا حیث شارکت جمیع القوى الدولیة فی مؤازرة المناضلین الأفارقة وحزب المؤتمر الوطنی الإفریقی من أجل الحریة والعدالة. وبوادر انتقال هذا الصراع إلى العالمیة أخذت فی الظهور حیث تمثل السفن التی تحاول کسر الحصار عن غزة یقظة هامة فی الضمیر الإنسانی لابد من البناء علیها، کما تمثل مواقف العدید فی الغرب من أکادیمیین ومحامین بمقاطعة إسرائیل إلى أن ترضخ للشرعیة الدولیة، ظاهرة هامة لابدّ من تشجیعها والبناء علیها أیضاً. إذ أنّ المفارقة الیوم هی أن الولایات المتحدة وإسرائیل تسعیان إلى التطبیع مع الدول العربیة دون إعادة الأرض أو الحقوق، فلماذا لا یخرج هذا الصراع من إطار رسمی عربی محدد أصبح عبئاً على الکفاح الفلسطینی بسبب عجزه وتفککه ویطرح على الضمیر الإنسانی کقضیة عدالة فقط.؟ ولا شک أن الضمیر الإنسانی الذی أنصف جمیع القضایا التحرریة فی العالم لن یألو جهداً فی دعم قضیة شعب فلسطین فی نضاله من أجل الحریة والاستقلال. والسؤال المهم هو کیف یتمّ فعل ذلک؟ والجواب هو بدلاً من إعادة اختراع البارود یستحسن الاستفادة من تجارب الآخرین. وللذین یتوهمون أن التشجیع على التطبیع هنا أو هناک سینهی معرکة الحقوق أو الإیمان المتجذر بها والعمل على استعادتها، نذکّرأن کل أحداث التاریخ تثبت أنه لا یموت حق وراءه مطالب وأن الشعوب هی التی تصنع مصائرها ولکن بعض الساسة یعتقدون أنه یمکن لهم تغییر منطق التاریخ هذا الذی أکدته تجارب قرون من الکفاح البشری من أجل الحریة. عبارات أمریکیة قلیلة ولکنها تشیر إلى أن أمد الصراع سیطول وأن آفاق الحلول العادلة ما تزال غامضة ومتلبدة بالسیاسات الغربیة الممالئة لغطرسة القوة الإسرائیلیة.


| رمز الموضوع: 141271







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)