الاثنين 14 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

أشهر صعبة.. لکنّها عابرة

ستکون القمّة العربیة فی دمشق خیر مثال على صعوبة الفترة التی تمرّ بها المنطقة العربیة وأزماتها المتفجّرة فی أکثر من مکان. فما هو مرجوٌّ من تضامن عربی فی القمّة سیکون محفوفاً بمخاطر وصول الصراعات العربیة إلى قمّتها. وقد یبدو للبعض وکأنّ ملفّ الأزمة اللبنانیة هو الملف الأکثر تعقیداً والمسؤول عن عدم التوافق المنشود بین الحکّام العرب، بینما واقع الحال هو غیر ذلک تماماً. فالخلافات العربیة القائمة الآن إنّما أساسها الموقف الأمیرکی الرافض لتسویات جذریة شاملة لأزمات متشابکة فی الشرق الأوسط، فضلاً عن استمرار إدارة بوش فی نهجها الساعی لعزل إیران وسوریا وإضعافهما من خلال تحجیم ونزع سلاح کلٍّ من حرکة حماس فی فلسطین وحزب الله فی لبنان.

فقد کانت مراهنة إدارة بوش بعد غزوها للعراق أنّ ذلک سیؤدّی إلى انهیار الأوضاع فی کلٍّ من إیران وسوریا، أو سیؤدّی فی الحدّ الأدنى إلى انهیار رکب النظام الحاکم، کما حدث مع النظام اللیبی وإسراعه لعقد صفقة تضمن عدم التعرّض له وإقامة علاقات معه مقابل التخلّی عن سیاساتٍ وبرامج ومواقف.

لکن المقارنة بین أوضاع لیبیا وحکمها وموقعها الجغرافی، وبین ما هو الحال علیه فی إیران وسوریا وعمق تأثیرهما الهام فی العراق ولبنان وفلسطین، لم تکن طبعاً سلیمة. فعوضاً عن حدوث انهیارات فی أنظمة وحکومات، کما توقّعت واشنطن، انهار المشروع الأمیرکی فی العراق وفی المنطقة وتحوّل الأمر من ضغوط أمیرکیة لتغییر حکومات، إلى ضغوط لتغییر سلوک ومواقف!.

وهاهی المنطقة العربیة الآن تدفع ثمن هذه المرحلة التی تشتدّ فیها الضغوط السیاسیة المهدّدة بحالة انفجارات عسکریة وأمنیة شاملة، وفی أکثر من جبهة.

ولکی تکون الأمور أکثر وضوحاً، فإنّ الذی یعیق التوصّل إلى تسویات شاملة لأزمات المنطقة، ویحول دون تحقیق التضامن العربی الفعّال على أعلى المستویات، هو الإدارة الأمیرکیة التی رفضت الأخذ بتوصیات لجنة بیکر/هاملتون فی نهایة العام 2006، واستمرّت فی نهجها التصعیدی رغم ما آلت إلیه سیاستها فی العراق وفی عموم المنطقة من تراجع وانحسار.

واقع الحال الآن أنّ إدارة بوش لا تقدر على فرض الحلول لکنّها قادرة على إعاقة أی حلٍّ لا توافق علیه، والأمر شبیه بما یحدث فی مجلس الأمن حینما تلجأ واشنطن إلى استخدام حقّ النقض (الفیتو) إذا لم یأخذ المجلس بمشروعها.

فواشنطن اعترضت على المبادرة العربیة بشأن لبنان، کما تحفّظت فی السابق على المبادرة الفرنسیة التی حاولت التنسیق مع دمشق، وتعذّر بالتالی التوصّل إلى تسویة للأزمة السیاسیة اللبنانیة.

أیضاً، انتقدت إدارة بوش اتفاق مکّة، الذی رعته حکومة الریاض، بین حرکتی "فتح" و"حماس" ولم تجد لها أو لإسرائیل مصلحة فی تنفیذه وفی وقف الصراعات الفلسطینیة وفی مشارکة "حماس" بالسلطة الوطنیة، فانهار الاتفاق وحصل ما حصل فی غزّة فیما بعد.

فحلول واشنطن لأزمات لبنان وفلسطین تشترط التخلّی عن نهج المقاومة ضدّ إسرائیل، وهذا ما کان صریحاً فی مطالبة إدارة بوش لحرکة حماس بالاعتراف بإسرائیل ونبذ أسلوب المقاومة ضدّ الاحتلال، کما هو أیضاً الموقف الأمیرکی فی لبنان المستند على قرار مجلس الأمن 1559 للعام 2004 والذی اعتبر سلاح المقاومة اللبنانیة میلیشیا یجب إزالتها.

إذن، إدارة بوش لیست الآن فی موقع تفاوضی مع الأطراف العربیة والإقلیمیة المستمرّة فی دعمها لنهج المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائیلی، کما أنّها ما تزال فی حالة "حرب باردة" مع إیران بشأن ملفها النووی ودورها فی العراق، وهذا الأمر یعنی صعوبة التوصّل الآن إلى تسویات سیاسیة لأزمات معنیّ بها کلّ من واشنطن وطهران ودمشق.

هذه المسائل کلّها ستجعل من القمّة العربیة فی دمشق ساحة تبادل لآراء وخطب ومواقف، لا مصنعاً لحلول سیاسیة أو منطلقاً لتضامن عربی جاد وفعّال. فتعطیل إدارة بوش للمصالحات الوطنیة الحقیقیة فی لبنان وفلسطین یعنی أیضاً تعطیلاً للمصالحة العربیة الشاملة.

کذلک، فإنّ عدم التزام إدارة بوش بتوصیات بیکر/هاملتون لجهة إقامة مؤتمر دولی شامل للصراع العربی/الإسرائیلی وللتفاوض المباشر مع طهران ودمشق، سیدفع بالمنطقة إلى مزید من الصراعات فی شریط یمتدّ من غزّة إلى طهران مروراً بدمشق وبیروت وبغداد.

ربّما لا یجد الرئیس الأمیرکی مشکلة فی کل ذلک وإدارته هی فی سنتها الأخیرة، حیث لا یضمن مجیء رئیس جمهوری یکمل أجندة الإدارة الحالیة، وبالتالی ستکون هناک سلّة أزمات دولیة أمام رئیس دیمقراطی جدید علیه التعامل معها ومع ما هو علیه أیضاً حال الاقتصاد الأمیرکی والمشاکل الاجتماعیة الأخرى فی الولایات المتحدة.

إنّ الشیء الوحید الذی أجمعت علیه الحکومات العربیة فی قممها الأخیرة کان المبادرة العربیة للسلام وما تضمنته من استعداد للاعتراف بإسرائیل وإقامة معاهدات وعلاقات معها مقابل إنهاء الاحتلال الإسرائیلی للأراضی التی احتلّت عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطینیة.

لکن التوافق الحکومی العربی على هذه المبادرة کان توافقاً على الغایة لا على الأسلوب أیضاً. فکیف یمکن تطبیق هذه المبادرة ثمّ ما البدیل عنها فی حال رفض إسرائیل لها؟ (وهذا ما حدث منذ إطلاق المبادرة عام 2002 فی قمّة بیروت). أی هل ستقرّر الحکومات العربیة إستراتیجیة شبیهة بقمّة الخرطوم عام 1967 التی أدّت إلى حرب أکتوبر عام 1973؟ أو هل ستتضامن فی الحدّ الأدنى کل الحکومات العربیة مع حرکات المقاومة للاحتلال الإسرائیلی؟ وکیف سینعکس ذلک على السلطة الفلسطینیة وهی الآن فی موقع المفاوض الرافض للمقاومة؟! ثمّ کیف یجب التعامل مع هذا الأمر لبنانیّاً وسوریّاً حیث هناک أرضٍ لبنانیة وسوریّة محتلّة ولم تحصل بعد اتفاقات مع إسرائیل کما جرى على الجبهات المصریة والأردنیة ومع منظمة التحریر الفلسطینیة؟!

هی تساؤلات مهمّة لأنّ الاتفاق على مبادرة السلام دون التوافق أیضاً على بدیل لها یفتح المنطقة أمام صراعات بین العرب أنفسهم، وهذا ما نشهده الآن من اختلاف بین نهجین عربیین أحدهما تدعمه واشنطن والآخر طهران!

إنّ الجسم العربی تنخره الصراعات على المستویین الوطنی والقومی ولا یصحّ فیه اتّباع سیاسة "حسیبک للزمن" لأنّ مراهنات خصوم الأمّة هی على الزمن نفسه، تماماً کما تفعل إسرائیل فی مسألتی القدس والمستوطنات وکما هی سیاستها فی التشجیع على الصراعات الأهلیة العربیة.

فإذا لم یحصل تحوّل جذری إیجابی فی واقع الخلافات العربیة (وهو أمر مستبعد الآن)، وإذا لم تقم إدارة بوش بخطایا مغامرات عسکریة جدیدة فی المنطقة (وهو أمر محتمل الآن)، فإنّ الخیار المشترک یبقى بالنسبة لکل الأطراف المعنیّة بصراعات المنطقة هو "إدارة الأزمات" القائمة ومنع وصولها إلى حدّ التفجیر، کما هو ممنوعٌ وصولها إلى حدّ الحلول، بانتظار ربیع العام القادم وما قد تسفر عنه الانتخابات الأمیرکیة التی ستؤدّی حتماً إلى تأثیرات کبرى على مصائر أزمات وشعوب وأوطان.

( المقال مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن الدکتور صبحی غندور )

ن/25


| رمز الموضوع: 140950







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)