تحالف الأبالیس فی أنابولیس

 بات من الواضح أن مؤتمر أنابولیس یهدف إلى إقامة تحالف جدید ضد المقاومة الفلسطینیة، وأن رأس هذه المقاومة سیکون ثمناً لبدء فصل جدید من المفاوضات العبثیة السرابیة، وأن سلطة أوسلو ستظل تائهة فی ذات النفق المظلم تلهث وراء السراب، وأن النظام الرسمی العربی سیعمل على دمج الکیان الصهیونی فی العالمین العربی والإسلامی.

لقد جسد مؤتمر أنابولیس المأساة الحقیقیة للشعب الفلسطینی، فالنظام الرسمی العربی المتخاذل والمتواطئ أصبح یتساوق علانیة مع المخطط الصهیوأمریکی الذی یهدف إلى تصفیة القضیة الفلسطینیة، ویبدو أن هذا النظام قد تجاوز حالة الصمت على الممارسات الصهیوأمریکیة الإجرامیة ضد الشعب الفلسطینی إلى أبعد من ذلک بکثیر، فقد قبل هذا النظام أن یجعل مصیر الشعب الفلسطینی وقضیته وفق مزاج فریق سلطة أوسلو ورهن الإرادة الصهیونیة والأمریکیة.

أما سلطة أوسلو، التی لا تملک سوى التنازل عن حقوق الشعب الفلسطینی والتفانی فی خدمة المخطط الصهیوأمریکی، والتی لا تمثل إرادة الشعب الفلسطینی ولا تعمل لمصالحه الوطنیة، فهی الآن تسابق الزمن لتنفیذ مهام المرحلة الأولى لخریطة الطریق التی تنص على القضاء على المقاومة الفلسطینیة، وذلک إرضاءً لأولمرت وبوش وانجراراً وراء وعودهما السرابیة.

وعلاوة على تواطؤ ما یسمى «محور الاعتدال العربی» مع العدو الأمریکی والصهیونی ضد الشعب الفلسطینی، فإن الحضور المشین للزعماء العرب والأمین العام لجامعة الدول العربیة إلى مؤتمر أنابولیس، وطأطأة رؤوسهم أمام أولمرت وعدم اعتراضهم على خطابه المقزز وهو یتوعد المقاومة الفلسطینیة بالتصفیة ویتمسک بالدولة الیهودیة والقدس عاصمة موحدة لها، ساعد على إظهار العدو الصهیونی أمام الرأی العالم العالمی بمظهر من یمده یده للسلام.

ومن المؤلم حقاً أن یصفق عبَّاس وفریقه وغیرهم لأولمرت وهو یشترط القضاء على المقاومة فی الضفة الغربیة المحتلة وقطاع غزة قبل الموافقة على السماح لعبَّاس وفریقه الجلوس معه على مائدة المفاوضات!! ولکن لیس غریباً على من حقر المقاومة وأخذ على عاتقه القضاء علیها أن یصفق لأولمرت ویقبله ویحتضنه بمجرد أن انتهى من إلقاء خطابه المقزز، ولن یکون هذا السلوک المشین غریباً على من یعُد حرکة حماس قوة ظلامیة عدوة له ولسلطته ویجند میلیشیاته للقضاء علیها.

ومن مأساة الشعب الفلسطینی أن یرعى المؤتمر الولایات المتحدة الأمریکیة، التی ترعى الشر والطغیان والاستبداد فی عالمنا العربی وتجند محور الاعتدال العربی لإعادة صیاغة الشرق الأوسط بطریقة تسهِّل لها قمع شعوبنا واستغلالها ونهب ثرواتها والهیمنة على بلادنا...

أما ما یسمى «المجتمع الدولی»، الذی تأخذ الولایات المتحدة الأمریکیة بناصیته إلى حیث تشاء، فهو یرقب تحالف الأبالیس عن کثب ویبارکه ویوفر له غطاء دولیاً. کما یدعم هذا المجتمع الدولی زمرة أوسلو ویوفر غطاء شرعیاً زائفاً لها، ویمد میلیشیات عبَّاس وفیَّاض بکل ما تحتاجه من مال وسلاح وعتاد عسکری، لتتمکن من ملاحقة المقاومین واعتقالهم وقتلهم...

أما الشعوب العربیة، التی أدمت الصمت على کل الجرائم التی یقارفها العدو الصهیونی والأمریکی ضد الشعب الفلسطینی، فهی تبارک بصمتها تحالف الأبالیس فی أنابولیس، ولا تقوم بواجبها فی نصرة الشعب الفلسطینی وکسر الحصار التجویعی الظالم المفروض على قطاع غزة، ولا تحرک ساکناً لإجبار النظام الرسمی العربی على الکف عن تحالفه مع العدو الأمریکی والصهیونی...

ورغم تمکن راعی الشر والطغیان الأمریکی من حشد عملائه وجنوده وسحرته وعبیده، فإن تحالف الأبالیس الیوم فی أنابولیس ضد المقاومة الفلسطینیة لن یکون مصیره سوى الفشل والخسران، فسلطة عبَّاس وحکومة فیَّاض وفریق أوسلو لا یمثلون الشعب الفلسطینی ولا یملکون إلزامه بما قد تفضی إلیه مفاوضاتهم العبثیة مع العدو الصهیونی.

کما لا تمثل الأنظمة العربیة والإسلامیة المشارکة فی مؤتمر أنابولیس الشعوب العربیة والإسلامیة، فهی لا تمثل إلا الاستبداد والدکتاتوریة، ورغم أنها لا تملک سوى الخضوع والخنوع لسیدها راعی الشر والطغیان الأمریکی، فهی لن تفلح فی إقناع الشعوب العربیة والإسلامیة بالتطبیع مع العدو الذی یغتصب الأرض وینتهک المقدسات ویعتدی على الفلسطینیین.

ولذلک فإن أی اتفاق یتم التوصل إلیه بین أولمرت وعبَّاس، حتى وإن حظی بمبارکة رسمیة عربیة وإسلامیة ودولیة، لن یلزم الشعب الفلسطینی إطلاقاً، فالکلمة الأولى والأخیرة ستکون للشعب الفلسطینی المجاهد عبر الاستمرار فی مقاومته الباسلة ضد الاحتلال.

وستبقى حرکة المقاومة الإسلامیة «حماس» حاملة لواء المقاومة وحامیة للثوابت الفلسطینیة والحصن المنیع للأمة العربیة والإسلامیة، وستبقى حرکة حماس رأس حربة العرب والمسلمین فی الصراع بین الحق والباطل، وسیدوس الشعب الفلسطینی کل المفرطین والمتآمرین والمستسلمین، ولن یکون مصیر المخطط الصهیوأمریکی إلا الفشل الذریع.

( المقال لمحمد اسحق الریفی )

ن/25