أنابولیس الذی یتحرّک ولا یُـحرّک

لم یکن ممکنا على الإطلاق تجاهل منظر رجال الأمن الفلسطینیین وهم یلاحقون بالهراوات والأسلحة متظاهرین مناهضین لمؤتمر أنابولیس وحولهم صحفیون یجاهدون لتغطیة الحدث فی مدینتی رام الله والخلیل بالضفة الغربیة.

فبعد ساعات قلیلة على افتتاح المؤتمر، فشل المتظاهرون فی اغتنام الفرصة الضیِّـقة المحدودة للتعبیر عن رأیهم ، نجحوا فی لفت الأنظار إلى موقف جمهور الأراضی الفلسطینیة من المؤتمر.

السلطة الفلسطینیة کانت قد سعت من خلال عدد من الإجراءات السابقة إلى التّـعتیم على الموقف المناهض من المؤتمر، الذی بلغ ذِروته بالإعلان عن إطلاق مفاوضات جدیدة بین الفلسطینیین والإسرائیلیین لإقامة دولة فلسطینیة مستقلة.

فقد أجهزة الأمن الفلسطینیة أمرت بمنع أی تجمعات تحریضیة ضد السلطة وضد أنابولیس، وقال اللواء عبد الرازق الیحیى، وزیر الداخلیة لصحفیین جاؤوه محتجِّـین على تنکیل رجاله بزملائهم، إن السلطة "لدیها معلومات بوجود مندسّـین یریدون أن یوقعوا الفوضى والخراب".

ولیس ثمّـة حاجة لتفکیر عمیق لمعرفة هویة هذه الجماعات أو من یقف وراءها، فالسلطة الفلسطینیة تشیر جِـهارا وسِـرا إلى حرکة حماس الإسلامیة، التی سیطرت على قطاع غزة الصیف الماضی، والتی قالت أیضا قولها فی مؤتمر أنابولیس.

حماس سارعت إلى الإعلان مباشرة وعلى لسان أکثر من متحدث باسمها، أن مؤتمر أنابولیس قد فشل. وقال سامی أبو زهری، المتحدث باسم حرکة حماس "إننا فی حماس نؤکِّـد على فشل هذا اللقاء، بحسب ما ورد من خطابات".

وأوضح أبو زهری أن "خطاب (الرئیس الأمریکی جورج بوش)، هو دلیل على فشل لقاء أنابولیس، لأن بوش حینما دعا لهذا المؤتمر منذ البدایة، أعلن انه سیتمخّـض عن إعلان دولة فلسطینیة، فإذا به الآن یُـعلن عن انطلاق المفاوضات".

ویبدو أنه، بالرغم من الإعلان رسمیا فی أنابولیس عن انطلاق المفاوضات حول الوضع النهائی والإیحاء بوجود تحرک جدید فی الأفق، فإن المؤتمر لم ینجَـح فی إطلاق روح التفاؤل لدى الفلسطینیین بشکل عام.

وفی حین أن غالبیة الفلسطینیین قالوا فی أکثر من استطلاع للرأی نُـشرت مؤخرا، إنهم یؤیِّـدون الذهاب إلى أنابولیس، إلا أن غالبتیهم قالت أیضا إنها لا تتوقّـع نتائج ملموسة من هذا التجمّـع الدولی حول السلام فی الشرق الأوسط، بل إن صحیفة "القدس، الأکثر اعتدالا والأوسع انتشارا فی الأراضی الفلسطینیة، والتی عنونت افتتاحیتها بـ "بدایة مشجّـعة لمؤتمر أنابولیس"، لم تجد الکثیر من الذی یُـمکن أن تستند إلیه لتأکید ذلک.

وکتبت الصحیفة غداة قمة أنابولیس تقول "ومع أن هناک ما یُـشبه الإجماع بین مؤیدین لمؤتمر السلام ومعارضیه على أن التوقعات بشأن نتائجه قلیلة... فإن على الولایات المتحدة أن تبذل قُـصارى جهدها للخروج بنتائج إیجابیة".

حتى أن حرکة فتح، التی یقودها الرئیس محمود عباس والدّاعمة لاستئناف المفاوضات مع إسرائیل، لم تُـظهر حماسا کبیرا للنتائج الأولیة من أنابولیس، وقد سارع فهمی الزعاریر، أحد المتحدثین باسم الحرکة فی الضفة الغربیة إلى القول بأن "القرارات الشرعیة الدولیة، هی مرجعیة المفاوضات التی أطلقها مؤتمر أنابولس"، وهو بذلک، إنما یرید إلى الإیحاء بأن مذکّـرة التفاهم التی تلاها الرئیس الأمریکی جورج بوش فی المؤتمر، والتی تشیر فقط إلى "خطة خارطة الطریق" کمرجعیة للمفاوضات، لیست وحدها المرجعیة.

ولعل الحِـصار القاسی والأشهر الأخیرة من الاضطراب والقلق، التی ترکتها تداعیات سیطرة حماس على هذا القطاع الضیِّـق، إضافة إلى عملیات القتل الیومیة التی یقوم بها الجیش الإسرائیلی، لن تترک مجالا للإحساس بأنابولس.

وکتب توفیق وصفی، الکاتب فی صحیفة الأیام یقول : "لا زالت الأمهات فی غزة یناغین أطفالهن بین أحضانهن أو وهم یتدحرجون أمامهن، هذه بتردید أغنیه أو أهزوجة، وتلک بإعادة اسمه مرّات ومرات بصوت رقیق، وأخرى بذکر مقطع من الآذان، دون أن یشغلهُـن عن هذه المتعة، حدث یشغل الرجال کمؤتمر أنابولیس".

وأضاف توفیق وصفی "عندما یغالی الزوج أو الأب أو الشقیق الأکبر فی الإصرار على متابعة ما یتعلّـق بالمؤتمر، یجادلنهم لیس حول المؤتمر، بل لأن متابعته لا تعنیهِـن کمسلسل یتابع حلقاته أو برنامج یثیر اهتمامهن، مثل برامج الطبخ ومکافحة السمنة، وینجحن فی الغالب بإعادة الشاشة إلى حیث یردن، إلا حین یکون الرجل من المهتمِّـین بالسیاسة أو لا یثیره فن الطهی ولا القد المیاس".

وقال وصفی، وهو أحد سکان غزة "ومن یدری، فالخوف من مصائد غیر متوقعة فی المؤتمر قد یتحقّـق، إن وقع الفلسطینیون هناک فی فخّ، یجعل الشعب بین فخّـین، عندها فلیعته اللسعة على تحمّـل النتائج".

( منقول من سویس انفو  )

ن/25