الکیان الصهیونی وإدعاءات النصر
هی لیست محاولة لتبرئة الکیان الصهیونی وأجهزته الأمنیة من جرائم القتل والاغتیال العدیدة التی ارتکبها ویرتکبها کل یوم بحق المناضلین والمقاومین الفلسطینیین والعرب، داخل فلسطین أو خارجها، بل هی محاوله لتجریده من أوهام القوة والبطولة، ومن إدعاءات النصر والهیمنة، إذ من الخیانة تبرئته، ومن الجهالة نفی التهمة عنه، ومن السذاجة استبعاده من دائرة الاتهام، إذ لا متهم سواه، ولا مستفید غیره، فتاریخه سجلٌ أسود، وماضیه قذرٌ وملوث، وأدواته رخیصة ودنیئة، ووسائله خبیثةٌ وخسیسة.
فقد نفذ الکیان الصهیونی مئات عملیات الإعدام بحق المقاومین فی المیدان وفی السجون والمعتقلات، وخلال المواجهات وأثناء الاعتقال، فجرائمه فی حقنا أکثر من أن تحصى، وأکبر من أن تنسى، وهی جرائمٌ قدیمة وجدیدة، استخدم فیها طرقاً شتى ووسائل عدیدة، فقتل بإطلاق النار على المطلوبین مباشرة، واغتال قصفاً وتفجیراً، وصعقاً وتسمیماً، واستخدم المواد الکیمیائیة والعناصر النوویة المشعة، واختطف وصفى، وغیب وقتل، واعتمد القتل السریع الناجز، ولکنه لجأ إلى القتل البطیئ الذی لا یترک أثراً دامغاً یدل علیه، ویشیر إلیه. وافتعل مئات الأسباب للوصول إلى أهدافه وتصفیتهم، واستخدم التقنیة الحدیثة والوسائل والأسالیب الأولیة البسیطة، وسخر لتنفیذ أهدافه الطائرات والصواریخ والعبوات المموهة والقذائف الموجهة، وقتل أحیاناً بنفسه، کما کلف آخرین من عملائه والمتعاونین معه بتنفیذ جرائمه بالنیابة عنه، وقد سعى فی کثیرٍ منها إلى إبعاد التهمة عن نفسه، وتبرئة أجهزته الأمنیة من ارتکابها، خوفاً من أعمال الرد والثأر والانتقام، أو تجنباً للحرج الدولی والملاحقات القضائیة الدولیة، خاصةً إذا ارتکب جرائمه فی دولٍ غربیة أو عربیة یرتبط معها باتفاقیات سلام، أو فی حال استخدامه لجوازات سفر دولٍ أجنبیة، لتسهیل مهمته، وتجاوز العقبات التی تعترض فرقه الأمنیة فی الدخول إلى بعض الدول العربیة التی لا یستطیعون الدخول إلیها بجواز السفر الإسرائیلی. واستهدف بالقتل کل الفئات من الجنسین، ومن مختلف الأعمار، ومن کل الجنسیات العربیة، وطال بجرائمه القذرة المقاومین والمقاتلین خلال رباطهم وأثناء تجوالهم، والعلماء من مختلف التخصصات، والقادة السیاسیین والزعماء البارزین، ورجال الدین وطلاب الجامعات المتفوقین، ولم یستثن أحداً من شروره وأحقاده، صغیراً أو کبیراً، جریحاً أو سلیماً، محرراً أو أسیراً، مغترباً أو مقیماً، ولم تمنعه من القتل قداسة مسجد ولا حرمة مدرسة، ولا صحبة والدٍ لأطفاله، ولا وجود لکثیرٍ من الأبریاء حول أو فی محیط الهدف. إنه الکیان الصهیونی عدونا، الذی یحتل أرضنا ویغتصب حقوقنا، فلا نستبعد عنه القیام بأی جریمة، مهما کانت قذرة وجبانة، إذ ماذا ننتظر منه وهو العدو الخبیث غیر القتل غدراً، أو الاغتیال غیلةً، أو التصفیة المدروسة، فلا نتوقع منه رحمةً ومغفرة أو رأفةً وشفقة، ولا ننتظر منه أن یمسح على وجوه أطفالنا أو یربت على ظهور صغارنا، بل إنه یسعى لصفع وجوه أطفالنا وکسر ظهور صغارنا، بقتل الآباء المعیلین والأشقاء المربین، ولکنه إن غیب بالقتل بعضنا، فإننا لا نصعر له خدنا، ولا نلین له عزمنا، ولا نهین من أجله کرامتنا، ولا نتراجع أمامه، ولا نجبن عن مواجهته، ولا نخفض أصواتنا فی حضرته، أو نخفی وجوهنا عند ملاقاته.
ولعل الکیان الصهیونی یفرح إذا نجح فی اغتیالِ قائدٍ أو زعیم، وتظهر المسرة فی کلماته، وعلى وجوه قادته وأبناء شعبه، وتصدر عنهم إشارات الفرح وعلامات السعادة والشماتة، إذ یهمهم أن ینالوا منا، وأن یقتلوا خیرة مقاومینا، وأن یزیحوا من أمامهم من أرعبهم وزرع لهم الموت فی الطرقات وفی الحافلات والباصات، ولعلهم یسعون إلى رفع روحهم المعنویة، وإشعار شعبهم أن أیدیهم طویلة، وذراعهم الأمنی قادرة على الوصول إلى أبعد الأهداف وأکثرها حیطةً وأمناً وتعقیداً، بما ینفی عن مواطنیهم الإحساس بالخوف والعیش بقلق، وترقب الموت، والامتناع عن السفر وإلغاء برامج السیاحة والاصطیاف، خوفاً من الاختطاف والاصطیاد، فتراهم یعلنون فی بعض الأحیان صراحةً مسؤولیتهم عن تنفیذ بعض عملیات الاغتیال، فقد أعلنوا صراحةً بلسان رؤساء حکوماتهم ووزراء دفاعهم عن نجاحهم فی قتل عماد عقل ویحیى عیاش وأحمد یاسین وعبد العزیز الرنتیسی وأبو علی مصطفى وغیرهم من کبار القادة والمقاومین، لاعتقادهم أن ذلک یرفع روح شعبهم المعنویة، ویعید إلیهم ثقتهم فی جیشهم المنهار، وفی أجهزتهم الأمنیة التی اهتزت صورتها فی أکثر من مکان.
ولکن الکیان الصهیونی یحاول فی بعض الأحیان الإدعاء بأنه هو الذی نفذ عملیة القتل، وأنه المسؤول عن عملیة الاغتیال، رغم أن الحادث قد یکون أحیاناً قضاءً وقدراً، وقد تکون الوفاة لأسبابٍ طبیعیة، ولا دخل للکیان الصهیونی وأجهزته الأمنیة بها، ولکنه یرید أن یظهر أمام شعبه بأنه یقظٌ وحذر، وأنه قادرٌ ویستطیع الوصول إلى أبعد الأهداف وأخطرها، وأنه یستطیع الانتقام لشعبه، والثأر لمواطنیه، کما أنه یستطیع أن یقضی على مکامن الخطر التی تهدد کیانه، فی الوقت الذی یسعى فیه من خلال هذه الإدعاءات الکاذبة إلى تدمیر الروح المعنویة لدى المقاومین، وإحباطهم نفسیاً، وإشعارهم أنه سیصل إلیهم مهما طال الزمن، وأن أحداً لن یفلت من عقابه.
یدرک الکیان الصهیونی أنه یمارس لعبةً نفسیة مع العرب والفلسطینیین، وأنه یحاول أن یلقی الرعب والوهن فی قلوب الفلسطینیین، من خلال إدعاءاته وأباطیله، بأن یده طویلة، وذراعه الأمنیة قادرة على الوصول إلى کل مکان، وتنفیذ ما یریدون، ولکن هیهات له أن یحقق مراده، وأن یصل إلى غایاته، فنحن نعلم أن یده قاصرة عن الوصول إلى کل أهدافهم، وأنهم أضعف من أن یحققوا على المقاومة انتصاراً ناجزاً، أو أن ینزلوا بها هزیمة ماحقة، فالمقاومة ورجالها الذین استطاعوا أن یحافظوا على بنیتهم وهیاکلهم لسنواتٍ طویلة، یدرکون أن معرکتهم مع الکیان الصهیونی معرکة طویلة، وأنها لم تحسم بعد، وأنه على الطریق سیسقط شهداء فی المواجهة، وآخرون قتلاً واغتیالاً، وسیقضی آخرون نحبهم دون سببٍ لوفاتهم إلا انتهاء آجالهم، ولکنهم سیکونون شهداء کغیرهم، لا ینقص الموت من قدر شهادتهم شیئاً، وأثناء ذلک فإن المقاومة ستکون للعدو بالمرصاد، تتعقبه وتلاحقه وتواجهه، ولن یضیرها شیئاً أن تعترف بسقوط بعض رجالها غیلةً وغدراً على أیدی المخابرات الإسرائیلیة، ولکنها لن تمنحهم نصراً مزعوماً، وکسباً موهوماً، ولن تتردد عن کشف الحقائق، وتسلیط الضوء على الملابسات، وتکذیب أبواقه الإعلامیة والأمنیة إذا حاولت تبنی حالة وفاة أو غرق أو موتٍ نتیجة لحادثٍ مروری، لئلا یغتر العدو بنفسه، ویوهم شعبه أنه من نفذ وقتل، وأنه من عذب وعاقب.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS